ثم اختلفت الزيدية فرقا ، فقالت طائفة : إن الصحابة ظلموه ، وكفروا من خالفه من الصحابة ، وهم الجارودية. وقالت أخرى : إن الصحابة رضي الله عنهم لم يظلموه لكنه طابت نفسه بتسليم حقه إلى أبي بكر ، وعمر رضي الله عنهما ، وإنهما إماما هدى. ووقف بعضهم في عثمان رضي الله عنه وتولاه بعضهم ، وذكرت طائفة أنّ هذا كان مذهب الفقيه الحسن بن صالح بن حي الهمذاني.
قال أبو محمد : وهذا خطأ وقد رأيت لهشام بن الحكم الرافضي الكوفي في كتابه المعروف بالميزان ، وقد ذكر الحسن بن حي ، أن (١) مذهبه كان أن الإمامة في جميع ولد فهر بن مالك.
قال أبو محمد : وهذا الذي لا يليق بالحسن بن حي غيره ، فإنه كان أحد أئمة الدين ، وهشام بن الحكم أعلم به ممن نسب إليه غير ذلك ، لأن هشاما كان جاره بالكوفة وأعرف الناس به وأدركه وشاهده ، والحسن بن حي رحمهالله يحتج بمعاوية رضي الله عنه وبابن الزبير رضي الله عنهما ، وهذا مشهور عنه في كتبه ، وروايات من روى عنه. وجميع الزيدية لا يختلفون في أن الإمامة في جميع ولد علي بن أبي طالب ، من خرج منهم يدعو إلى الكتاب والسنة وجب سل السيف معه.
وقالت الروافض : الإمامة في علي وحده بالنص عليه ثم في الحسن ثم في الحسين ، وادّعوا نصا آخر من النبي صلىاللهعليهوسلم عليهما بعد أبيهما ثم علي بن الحسين لقول الله عزوجل : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) [سورة الأنفال : ٧٥].
قالوا : فولد الحسين أحق من أخيه ، ثم محمد بن علي بن الحسين ، ثم جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ـ وهذا مذهب جميع متكلميهم كهشام بن الحكم ، وهشام الجواليقي ، وداود الحواري ، وداود الرقي ، وعلي بن منصور ، وعلي بن هيثم ، وأبي علي السكاك تلميذ هشام بن الحكم ، ومحمد بن جعفر بن النعمان شيطان الطاق ، وأبي مالك (٢) الحضرمي وغيرهم. ثم افترقت الرافضة بعد موت هؤلاء المذكورين وموت جعفر بن محمد.
فقالت طائفة بإمامة ابنه إسماعيل بن جعفر.
وقالت طائفة بإمامة ابنه محمد بن جعفر وهم قليل.
وقالت طائفة : جعفر حي لم يمت.
__________________
(١) كانت في الأصل المطبوع «وأن» والصواب حذف الواو.
(٢) تحرفت في الأصل المطبوع إلى «ملك».