ذكر شنع المعتزلة
قال أبو محمد : قالت المعتزلة بأسرها حاشا ضرار بن عبد الله الغطفانيّ الكوفي ومن وافقه كحفص الفرد ، وكلثوم وأصحابه : إن جميع أفعال العباد من حركاتهم وسكونهم في أقوالهم وأفعالهم وأعمالهم وعقودهم لم يخلقها الله عزوجل ، ثم اختلفوا :
فقالت طائفة : يخلقها فاعلوها دون الله تعالى.
وقالت طائفة : هي أفعال موجودة لا خالق لها أصلا.
وقالت طائفة : هي أفعال الطبيعة ، وهذا قول أهل الدّهر بلا تكلف.
وقالت المعتزلة كلها حاشا ضرار بن عمرو المذكور ، وحاشا أبا سهل بشر بن المعتمر البغدادي النخاس بالرقيق : إنّ الله عزوجل لا يقدر البتة على لطف يلطف به للكافر حتى يؤمن إيمانا يستحق به الجنة ، والله عزوجل ليس في قوته أحسن مما فعل بنا ، وأنّ هذا الذي فعل هو منتهى طاقته وآخر قدرته التي لا يمكنه ولا يقدر على أكثر.
قال أبو محمد : هذا تعجيز مجرد للباري تعالى ، ووصف له بالنقص ، وكلهم لا نحاشي أحدا يقول : إنه لا يقدر على المحال ، ولا على أن يجعل الجسم ساكنا متحركا معا في حال واحدة ، ولا على أن يجعل إنسانا واحدا في مكانين معا.
قال أبو محمد : وهذا تعجيز مجرد لله تعالى ، وإيجاب النهاية والانقضاء لقدرته تعالى عن ذلك.
وقال أبو الهذيل بن مكحول العلّاف مولى عبد القيس بصري أحد رؤساء المعتزلة ومقدّميهم : إنّ لما يقدر الله تعالى عليه آخرا ، ولقدرته نهاية لو خرج إلى الفعل ـ ولن يخرج ـ لم يقدر الله تعالى بعد ذلك على شيء أصلا ، ولا على خلق ذرّة فما فوقها ، ولا على إحياء بعوضة ميتة ، ولا على تحريك ورقة فما فوقها ، ولا على أن يفعل شيئا أصلا.
قال أبو محمد : وهذه حالة من الضعف والمهانة والعجز قد ارتفعت البق والبراغيث والدود مدة حياتها عنها ، وعن أن توصف بها ، وهذا كفر مجرد لا خفاء به.