فإنه الآن عند الله كافر ، وأنّ من كان الآن كافرا مجوسيا أو نصرانيا أو دهريا أو زنديقا إلّا أن في علم الله عزوجل أنه يموت مؤمنا فإنه الآن عند الله تعالى مؤمن.
وأمّا عبّاد بن سلمان تلميذ هشام الفوطي المذكور فكان يزعم أن الله تعالى لا يقدر على غير ما فعل من الصلاح ، ولا يجوز أن يقال إنّ الله خلق المؤمنين ، ولا أنه خلق الكافرين ، ولكن يقال خلق الناس ، وذلك ـ زعم ـ لأن المؤمن عنده إنسان وإيمان ، والكافر إنسان وكفر ، وأن الله تعالى إنما خلق عنده الإنسان فقط ولم يخلق الإيمان ولا الكفر.
وكان يقول : إنّ الله تعالى لا يقدر على أن يخلق غير ما خلق ، وأنه تعالى لم يخلق المجاعة ولا القحط ، وكلهم يزعم أن الله تعالى لم يأمر الكفار قط بأن يؤمنوا في حال كفرهم ، ولا نهى المؤمنين قط عن الكفر في حال إيمانهم لأنه لا يقدر أحد قط على الجمع بين الفعلين المتضادّين.
قال أبو محمد : وهم يقرّون أن الله تعالى لم يزل يعلم أن من يؤمن بعد كفره فإنه لا يزال في كفره إلى أن يؤمن ، وأن من يكفر بعد إيمانه فإنه لا يزال في إيمانه حتى يكفر ، وأنّ من لا يؤمن من الكفار أبدا فإنه لا يزال في كفره إلى أن يموت ، وأنّ من لا يكفر من المؤمنين فإنه لا يزال في إيمانه إلى أن يموت ، وليس أحد من المأمورين يخرج عن أحد هذه الوجوه الأربعة ضرورة ، فإذا كان عندهم لم يؤمر قط كافر بالإيمان في حال كفره ، ولا نهي مؤمن عن الكفر في حال إيمانه ، فإن من لم يزل مؤمنا إلى أن مات لم ينهه الله عزوجل عن الكفر قط ، وأن من لم يزل كافرا إلى أن مات فإنّ الله لم يأمره قط بالإيمان ، وأن الله تعالى لم يأمر قط بالإيمان من آمن بعد كفره إلّا حين آمن ، ولا نهى قط عن الكفر من كفر بعد إيمانه إلا حين كفر ، وهذا تكذيب مجرد لله تعالى في أمره الكفار وأهل الكتاب بالإيمان ، ونهيه المؤمنين عن الكفر.
وكان بشر بن المعتمر أيضا يقول : إن الله تعالى لم يخلق قط لونا ولا طعما ولا رائحة ، ولا مجسّة ، ولا شدة ولا ضعفا ، ولا عمى ولا بصرا ، ولا سمعا ولا صمما ولا جبنا ولا شجاعة ، ولا كيسا ولا عجزا ، ولا صحة ولا مرضا ، وأنّ الناس يفعلون كل ذلك فقط.
وأمّا جعفر القصبي بائع القصب ، والأشجع وهما من رؤسائهم فكانا يقولان إن القرآن ليس هو الذي في المصاحف ، إنما في المصاحف شيء آخر وهو حكاية القرآن.
قال أبو محمد : وهذا كفر مجرد ، وخلاف جميع أهل الإسلام قديما وحديثا.