المعاني التي يسمّيها اهل الكلام اللطائف ، والكلام
في السحر وفي المعجزات التي فيها إحالة الطبائع
أيجوز وجودها لغير الأنبياء أم لا
قال أبو محمد : ذهب قوم إلى أن السحر قلب للأعيان وإحالة للطبائع ، وأنهم يرون أعين الناس ما لا يرى ، وأجازوا للصالحين على سبيل كرامة الله عزوجل لهم اختراع الأجسام وقلب الأعيان ، وجميع إحالة الطبائع ، وكل معجز للأنبياء عليهمالسلام ، ورأيت لمحمد بن الطيب الباقلاني : أن الساحر يمشي على الماء على الحقيقة ، وفي الهواء ، ويقلب الإنسان حمارا على الحقيقة ، وأنّ كل هذا موجود من الصالحين على سبيل الكرامة ، وأنه لا فرق بين آيات الأنبياء وبين ما يظهر من الإنسان الفاضل ومن الساحر أصلا إلا بالتحدي ، فإن النبي يتحدى الناس بأن يأتوا بمثل ما جاء هو به ، فلا يقدر أحد على ذلك فقط ، وأن كل ما لم يتحدّ به النبي الناس فليست آية له ، وقطع بأن الله تعالى لا يقدر على إظهار آية على لسان متنبئ كاذب. وذهب أهل الحق إلى أنه لا يقلب أحد عينا ولا يحيل طبيعة إلا الله عزوجل لأنبيائه فقط سواء تحدّوا بذلك أو لم يتحدوا ، وكلّ ذلك آيات لهم عليهمالسلام تحدّوا بذلك أم لا ، والتّحدي لا معنى له وأنه لا يمكن وجود شيء من ذلك لا لصالح ، ولا لساحر ، ولا لأحد غير الأنبياء عليهمالسلام ، والله تعالى قادر على إظهار الآيات على أيدي الكذابين المدعين للنبوة ، ولكنه تعالى لا يفعل ذلك كما لا يفعل ما لا يفعل ما لا تريد أن يفعله من سائر ما هو قادر عليه.
قال أبو محمد : وهذا هو الحق الذي لا يجوز غيره ، برهان ذلك قول الله عزوجل : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) [سورة الأنعام : ١١٥]. وقال تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) [سورة البقرة : ٣١]. وقال تعالى : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [سورة يس : ٨٢].
فصح أن كل ما في العالم وبما قد رتبه الله عزوجل الرتب التي لا تتبدل ، وصح أن الله عزوجل أوقع كل اسم على مسماه فلا يجوز أن يوقع اسم من تلك