والرقى ولا فرق. ونحن نجد الإنسان يسبّ أو يقابل بحركة يغضب منها ، فيستحيل من الحلم إلى الطيش وعن السكون إلى الحركة والنزق حتى يقارب حال المجانين ، وربما أمرضه ذلك وقد قال عليهالسلام : «إنّ من البيان لسحرا» (١) لأن من البيان ما يؤثر في النفس فيثيرها أو يسكنها عن ثوراتها ، ويحيلها عن عزماتها ، وعلى هذا المعنى استعملت الشعراء ذكر سحر العيون ، لاستمالتها للنفوس فقط.
قال أبو محمد : ويقال لمن قال إن السحر يحيل الأعيان ويقلب الطبائع : أخبرونا إذا جاز هذا فأي فرق بين النبي والساحر؟ ولعل جميع الأنبياء كانوا سحرة ، كما قال فرعون عن موسى عليهالسلام (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) [سورة طه : ٧١] و (إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها) [سورة الأعراف : ١٢٣]. وإذا جاز أن يقلب سحرة موسى عليهالسلام عصيهم وحبالهم حيات ، وقلب موسى عليهالسلام عصاه حيّة ، وكان كلا الأمرين حقيقة ، فقد صدق فرعون بلا شك في أنه ساحر مثلهم ، إلا أنه أعلم به منهم فقط ، وحاشا لله من هذا بل ما كان فعل السحرة إلا من حيل أبي العجائب فقط. فإن لجئوا إلى ما ذكره الباقلاني من التحدّي قيل لهم : هذا باطل من وجوه : أحدها أن اشتراط التحدّي في كون آية النبي آية دعوى كاذبة سخيفة لا دليل على صحتها ، لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة ولا من إجماع ولا من قول صاحب ولا من حجة عقل ، ولا قال بهذا أحد قط قول هذه الفرقة الضعيفة ، وما كان هكذا فهو في غاية السقوط والهجنة. قال الله عزوجل : (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [سورة النمل : ٦٤]. فوجب ضرورة أن من لا برهان له على صحة قوله فهو كاذب فيها غير صادق.
وثانيها : أنه لو كان ما قالوا : لسقطت أكثر آيات رسول الله صلىاللهعليهوسلم : كنبعان الماء من بين أصابعه ، وإطعامه المئين والعشرات من صاع شعير ، وعناق ، ومرة أخرى من كسر ملفوفة في خمار ، وكتفله في العين فجاشت بماء غزير إلى اليوم ، وحنين الجذع ، وتكلم الذراع وشكوى البعير والذئب ، والإخبار بالغيوب ، وتمر جابر ، وسائر معجزاته العظام ، لأنه عليهالسلام لم يتحدّ بذلك كله أحدا ولا عمله إلا بحضرة أهل اليقين من
__________________
(١) رواه البخاري في الطب باب ٥١ (في الترجمة) والنكاح باب ٤٧. ومسلم في الجمعة حديث ٤٧. وأبو داود في الأدب باب ٨٦ ، و ٨٧. والترمذي في البر والصلة باب ٧٩. والدارمي في الصلاة باب ١٩٩. ومالك في الكلام حديث ٧. وأحمد في المسند (١ / ٢٦٩ ، ٢٧٩ ، ٣٠٣ ، ٣٠٩ ، ٣١٣ ، ٣٢٧ ، ٣٣٢ ، ٣٩٧ ، ٤٥٤ ، ٢ / ١٦ ، ٥٩ ، ٦٢ ، ٩٤ ، ٣ / ٤٧٠ ، ٤ / ٢٦٣).