أصحابه رضي الله عنهم ، ولم يبق له آية حاشى القرآن ، ودعاء اليهود إلى تمني الموت ، وشق القمر فقط ، وكفى نحسا بقول أدى إلى مثل هذا. فإن ادّعوا أنه عليهالسلام تحدّى بها من حضر وغاب كذبوا واخترعوا هذه الدعوى لأنه لم يأت في شيء من تلك الأخبار أنه تحدّى بها أحدا ، وإن تمادوا على أن كل هذه ليست معجزات ولا آيات أكذبهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقوله إذ فعل بعض ذلك : أشهد أني رسول الله.
والثالث وهو البرهان الدامغ : قول الله تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) [سورة الأنعام : ١٠٩]. وقوله : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) [سورة الإسراء : ٥٩].
فسمى الله تعالى تلك المعجزات المطلوبة من الأنبياء عليهمالسلام آيات ، ولم يشترط عزوجل في ذلك تحديا من غيره ، فصح أن اشترط التّحدّي باطل محض ، وصح أنها إذا ظهرت فهي آية كان هنالك تحدّ أو لم يكن ، وقد صح إجماع الأمة المتيقن على أن الآيات لا يأتي بها ساحر ، ولا غير نبي ، فصح أن المعجزات إذ هي آيات لا تكون لساحر ولا لأحد ليس نبيا.
والرابع : أنه لو صح حكم التحدي لكان حجة عليه ، لأن التحدي عندهم يوجب أن لا يقدر على شيء مثل ذلك أحد ، إذ لو أمكن أن يوجد مثل ذلك من أحد لكان قد بطل تحديه وقيل له قد وجد من يعمل مثل عملك هذا ، إما صالح وإما ساحر.
والخامس : أنه لو كان ما قالوا ، وجاز ظهور معجزة من ساحر لا يتحدى بها ، أو فاضل لا يتحدى بها ، لأمكن أن يتحدى لهما بها بعد موتهما من ضل فيهما ، كما فعلت الغلاة بعليّ رضي الله عنه فعلى كل حال قولهم ساقط والحمد لله رب العالمين.
قال أبو محمد : وأما من ادعى أنه يشبه الساحر على العيون فيريهم ما لا ترى فإن هذه الطائفة لم تكتف بالكفر بإبطال النبوات ، إذ لعل ما أتى به النبي كان تشبيها على العيون لا حقيقة له حتى رامت إبطال الحقائق كلّها ، أوّلها عن آخرها ، ولحقت بالسوفسطائية لحاقا صحيحا بلا تكلف ، ويقال لهم : إذا جاز أن يشبّه على العيون حتى يريها المشبه عليها ما لا حقيقة له وما لا تراه ، فما يدريكم لعلكم كلكم الآن مشبّه عليكم ، ولعل بعض السحرة قد شبه عليكم فأراكم أنكم تتوضئون وتصلون ، وأنتم لا تفعلون شيئا من ذلك ، ولعلكم تظنون أنكم تزوجتم وإنما في بيوتكم ضأن ومعز وبقر ، ولعلكم الآن على ظهر البحر ، ولعل ما تعتقدون من الدين تشبيه عليكم؟ وهذا كلّه لا