الكلام في الجن ووسوسة الشيطان وفعله في المصروع
قال أبو محمد : لم ندرك بالحواس ولا علمنا وجوب كونهم ولا وجوب امتناع كونهم في العالم أيضا بضرورة العقل لكن علمنا بضرورة العقل إمكان كونهم ، لأن قدرة الله تعالى لا نهاية لها وهو عزوجل يخلق ما يشاء ، ولا فرق بين أن يخلق خلقا عنصرهم التراب والماء ، فيسكنهم الأرض والهواء والماء ، وبين أن يخلق خلقا عنصرهم النار والهواء ، فيسكنهم الهواء والنار والأرض ، بل كل ذلك سواء ممكن في قدرته ، لكن لما أخبرت الرسل الذين شهد الله عزوجل بصدقهم بما أبدى على أيديهم من المعجزات المحيلة للطبائع بنص الله عزوجل على وجود الجن في العالم ، وجب ضرورة العلم بخلقهم ووجودهم ، وقد جاء النص بذلك وبأنهم أمة عاقلة مميزة متعبدة ، موعودة متوعدة متناسلة يموتون ، وأجمع المسلمون كلهم على ذلك ، نعم والنصارى ، والمجوس والصّابئون وأكثر اليهود حاشى السامرة فقط ، فمن أنكر الجن أو تأول فيهم تأويلا يخرجهم به عن هذا الظاهر فهو كافر مشرك حلال الدم والمال ، قال الله تعالى : (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي) [سورة الكهف : ٥٠].
قال أبو محمد : وهم يروننا ولا نراهم. قال الله تعالى : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) [سورة الأعراف : ٢٧].
فصح أن الجن قبيل إبليس ، قال تعالى : (إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِ) [سورة الكهف : ٥٠].
قال أبو محمد : وإذ أخبرنا الله عزوجل أننا لا نراهم فمن ادعى أنه يراهم أو رآهم فهو كاذب ، إلا أن يكون من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فذلك معجزة لهم كما نص رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه تفلّت عليه شيطان ليقطع عليه صلاته ، قال «فأخذته فذكرت دعوة أخي سليمان ولو لا ذلك لأصبح موثقا يراه أهل المدينة» (١) أو كما
__________________
(١) رواه من حديث أبي هريرة البخاري في الصلاة باب ٧٥ ، وأحاديث الأنبياء باب ٤٠ ، وتفسير سورة ٣٨ باب ٢. وأحمد في المسند (٢ / ٢٩٨).