ثم أخبرونا من قتل من الأنصار؟ أو من جرح منهم؟ أو من أوذي منهم؟ ألم يكونوا معه في تلك المشاهد كلها بعضهم متقدم وبعضهم مساو له وبعضهم متأخر عنه؟ فأي حقد كان له في قلوب الأنصار حتى يتفقوا كلهم على جحد النص عليه وعلى إبطال حقه وعلى ترك ذكر اسمه جملة وإيثار سعد بن عبادة عليه ثم على إيثار أبي بكر وعمر عليه والمسارعة إلى بيعتهما بالخلافة دونه وهو معهم وبين أظهرهم يرونه غدوا وعشيا لا يحول بينهم وبينه أحد؟ ثم أخبرونا من قتل علي من أقارب أولاد المهاجرين من العرب من مضر ، وربيعة ، واليمن ، وقضاعة ، حتى يصفقوا كلهم على كراهية ولايته ، ويتفقوا كلهم على جحد النص عليه؟
إن هذه عجائب لا يمكن اتفاق مثلها في العالم أصلا.
ولقد كان لطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص ، من القتل في المشركين كالذي كان لعلي ، فما الذي خصه باعتقاد الأحقاد له دونهم لو كان للروافض حياء أو عقل؟
ولقد كان لأبي بكر رحمهالله ورضي عنه في مضادة قريش في الدعاء إلى الإسلام ما لم يكن لعلي ، فما منعهم ذلك من بيعته وهو أسوأ الناس أثرا عند كفارهم.
ولقد كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه من مغالبة كفار قريش وإعلانه الإسلام على زعمهم ما لم يكن لعلي رضي الله عنه ، فليت شعري ما الذي أوجب أن ينسى آثار هؤلاء كلهم ، ويعادوا عليا من بينهم كلهم ..؟ لو لا قلة حياء الروافض وصفاقة وجوههم ، حتى بلغ الأمر بهم إلى أن عدوا على سعد بن أبي وقاص وابن عمر وأسامة بن زيد مولى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ورافع بن خديج الأنصاري ، ومحمد بن مسلمة الأنصاري وزيد بن ثابت الأنصاري وأبي هريرة وأبي الدرداء وجماعة غير هؤلاء المهاجرين أنهم لم يبايعوا عليا إذ ولي الخلافة ثم بايعوا معاوية ويزيد ابنه من أدركه منهم وادعوا أن تلك الأحقاد حملتهم على ذلك.
قال أبو محمد : حمق الرافضة ، وشدة ظلمة جهلهم ، وقلة حيائهم ، هو رهم في الدمار ، والبوار ، والعار ، والنار وقلة المبالاة بالفضائح ، وليت شعري أي حماسة وأي كلمة حسنة كانت بين علي وبين هؤلاء أو أحد منهم؟ وإنما كان هؤلاء ومن جرى مجراهم لا يرون بيعة في فرقة فلما أصفق المسلمون على ما أصفقوا عليه كائنا من كان دخلوا في الجماعة ، وهكذا فعل من أدرك من هؤلاء ابن الزبير رضي الله عنه ومروان فإنهم قعدوا عنهما فلما انفرد عبد الملك بن مروان بايعه من أدركه منهم لا رضا عنه ولا عداوة لابن الزبير ولا تفضيلا لعبد الملك على ابن الزبير ، لكن لما ذكرنا.