الكلام في الطبائع
قال أبو محمد : ذهبت الأشعرية إلى إنكار الطبائع جملة ، وقالوا : ليس في النار حرّ ولا في الثلج برد ، ولا في العالم طبيعة أصلا ، وقالوا : إنما حدث حرّ النار جملة وبرد الثلج عند الملامسة. قالوا : ولا في الخمر طبيعة إسكار ، ولا في المنيّ قوة يحدث بها ما يحدث منه ، ولكن الله تعالى يخلق منه ما شاء ، وقد كان ممكنا أن يحدث من منيّ الرجل جمل ، ومن منيّ الحمار إنسان ، ومن زريعة الكرم نخل.
قال أبو محمد : ما نعلم لهم حجة شغبوا بها في هذا الهوس أصلا ، وقد ناظرت بعضهم في ذلك فقلت له : إن للغة التي نزل بها القرآن تبطل قولكم لأن من لغة العرب القديمة ذكر الطبيعة والخليقة والسليقة ، والنحيزة ، والغريزة والسجية والشيمة ، والجبلة ، ولا يشك ذو علم في أن هذه الألفاظ استعملت في الجاهلية ، وسمعها النبي صلىاللهعليهوسلم فلم ينكرها قط ، ولا أنكرها أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولا أحد ممن بعدهم ، حتى حدث من لا يعتد به.
وقد قال امرؤ القيس :
وإن كنت قد ساءتك منّي خليقة |
|
فسلّي ثيابي من ثيابك تنسل(١) |
وقال حميد بن ثور الهلالي الكندي :
لكل امرئ يا أم عمرو طبيعة |
|
وتفرق ما بين الرجال الطبائع(٢) |
وقال النابغة :
لهم شيمة لم يعطها الله غيرهم |
|
من الجود والأحلام غير عوازب(٣) |
وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم للجارود إذ أخبره أن فيه الحلم والأناة ، فقال له الجارود الله
__________________
(١) البيت في ديوان امرئ القيس (ص ١٣) وأساس البلاغة (ثوب) وكتاب الجيم (٧ / ٢٥٧) ولسان العرب (١ / ٢٤٦ ـ مادة ثوب) و (٩ / ٣٣٧ ـ مادة نظف) وتاج العروس (٢ / ١١١ ـ مادة ثوب).
(٢) لم أجد البيت في ديوان حميد بن ثور المطبوع.
(٣) البيت في ديوان النابغة (ص ٤٩ ـ طبعة تونس).