الكلام في الرؤيا
قال أبو محمد : ذهب صالح قبة تلميذ النظام ، إلى أن الذي يرى أحدنا في الرؤيا حق كما هو ، وأنه من رأى أنه بالصين وهو بالأندلس ، فإن الله عزوجل اخترعه في ذلك الوقت بالصين.
قال أبو محمد : وهذا القول في غاية الفساد ، لأن العيان والعقل يضطران إلى كذب هذا القول ويبطلانه ، أما العيان فإننا نشاهد حينئذ هذا النائم عندنا وهو يرى نفسه في ذلك الوقت بالصين ، وأما من طريق العقل فهو معرفتنا بما يرى الحالم من المحيلات من كون مقطوع الرأس حيا وما أشبه ذلك ، وقد صح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنّ رجلا قصّ عليه رؤيا فقال : «لا تخبر بتلاعب الشيطان بك (١)».
قال أبو محمد : والقول الصحيح في الرؤيا هو أنها أنواع ، فمنها : ما يكون من قبل الشيطان وهو ما كان من الأضغاث والتخليط الذي لا ينضبط ، ومنها ما يكون من حديث النفس ، وهو ما يشتغل به المرء في اليقظة فيراه في النوم من خوف عدوّ أو لقاء حبيب ، أو خلاص من خوف أو نحو ذلك ، ومنها ما يكون من قبل الطبع كرؤية من غلب عليه الدم للأنوار ، والزهور ، والخمرة ، والسرور ، ورؤية من غلبت عليه الصّفراء للنيران ، ورؤية صاحب البلغم للثلوج والمياه ، وكرؤية من غلبت عليه السوداء للكهوف وللظلم والمخاوف. ومنها ما يريه الله عزوجل نفس الحالم ، إذا صفت من أكدار الجسد وخلصت من الأفكار الفاسدة ، فيشرف الله عزوجل به على كثير من المغيبات التي لم تأت بعد ، وعلى قدر تفاضل النفس في النقاء والصفاء يكون تفاضل ما تراه في الصدق ، وقد جاء عن النبي صلىاللهعليهوسلم «أنّه لم يبق بعده من النّبوة ، إلى جزء من ستّة وأربعين من النّبوة إلى جزء من سبعين جزءا من النّبوّة» (٢). وهذا نص جليّ على ما
__________________
(١) رواه مسلم في الرؤيا حديث ١٢ و ١٤ و ١٥. وابن ماجة في الرؤيا باب ٥. وأحمد في المسند (٣ / ٣٥٠).
(٢) روي الحديث في الصحاح بألفاظ وطرق مختلفة منها ما رواه البخاري في التعبير باب ٢