يوم القيامة فيها النبيون فمن دونهم (١). أماتنا الله على ملّته ولا خالف بنا عنه. وهو أيضا عليهالسلام خليل الله وكليمه.
الكلام في الفقر والغنى
قال أبو محمد : اختلف قوم في أي الأمرين أفضل الفقر أم الغنى؟
قال أبو محمد : وهذا سؤال فاسد لأن تفاضل العمل والجزاء في الجنة إنما هو للعامل لا لحالة محمولة فيه ، إلا أن يأتي نص بتفضيل الله تعالى حالا على حال ، وليس هاهنا نص في فضل إحدى هاتين الحالتين على الأخرى.
قال أبو محمد : وإنما الصواب أن يقال أيهما أفضل الغنى أم الفقر ...؟ والجواب هاهنا هو ما قال الله تعالى إذ يقول : (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [سورة النمل : ٩٠].
فإن كان الغنيّ أفضل عملا من الفقير فالغنيّ أفضل ، وإن كان الفقير أفضل عملا من الغنيّ فالفقير أفضل ، وإن كان عملهما متساويا فهما سواء قال عزوجل : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [سورة الزلزلة : ٧ ، ٨].
وقد استعاذ النبي صلىاللهعليهوسلم من فتنة الفقر وفتنة الغنى ، جعل الله عزوجل الشكر بإزاء الغنى والصّبر بإزاء الفقر فمن اتقى الله عزوجل فهو الفاضل غنيا كان أو فقيرا. وقد اعترض بعضهم هاهنا بالحديث الوارد : بأن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بكذا وكذا خريفا (٢) ونزع الآخرون بقول الله عزوجل : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى) [سورة الضحى : ٧ ، ٨].
قال أبو محمد : والغنى نعمة إذا قام حاملها بالواجب عليه فيها ، وأما فقراء المهاجرين فهم كانوا أكثر وكان الغنى فيهم قليلا والأمر كله فيهم وفي غيرهم راجع إلى العمل بالنص وبالإجماع على أنه تعالى لا يجزي بالجنة على فقر ليس معه عمل خير ، ولا على غنىّ ليس معه عمل خير ، وبالله تعالى التوفيق.
__________________
(١) جزء من حديث ، وفيه : «... وأول شافع ومشفّع» رواه مسلم في الفضائل حديث ٣ ، وأبو داود في السنّة باب ١٣ ، والترمذي في المناقب باب ١ ، وابن ماجة في الزهد باب ٣٧ ، والدارمي في المقدمة باب ٨ ، وأحمد في المسند (٢ / ٥٤٠ ، ٣ / ٢).
(٢) رواه مسلم في الزهد والرقائق (حديث ٣٧) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفا».