الكلام في قضايا النجوم والكلام في هل يعقل
الفلك والنجوم أم لا
قال أبو محمد : زعم قوم أن الفلك والنجوم تعقل وأنها ترى وتسمع ، ولا تذوق ولا تشم ، وهذه دعوى بلا برهان ، وما كان هكذا فهو باطل مردود عند كل طائفة بأول العقل ، إذ ليست أصح من دعوى أخرى تضادها وتعارضها ، وبرهان صحة الحكم بأن الفلك والنجوم لا تعقل أصلا : هو أن حركاتها أبدا على رتبة واحدة لا تتبدل عنها وهذه صفة الجماد المدبّر الذي لا اختيار له. فقالوا : الدليل على هذا أن الأفضل لا يختار إلا أفضل العمل. فقلنا لهم : ومن أين لكم بأن الحركة أفضل من السكون الاختياري؟ لأننا وجدنا الحركة حركتين ، حركة اختيارية واضطرارية ، ووجدنا السكون سكونين اختياريا واضطراريا ، فلا دليل على أن الحركة الاختيارية أفضل من السكون الاختياري ، ثم من أين لكم بأن الحركة الدورية أفضل من سائر الحركات يمينا أو يسارا أو أمام أو وراء؟ ثم من أين لكم بأن الحركة من شرق إلى غرب كما يتحرك الفلك الأكبر أفضل من الحركة من غرب إلى شرق ، كما تتحرك سائر الأفلاك وجميع الكواكب ، فلاح أن قولهم مخرفة فاسدة ، ودعوى كاذبة مموهة.
قال بعضهم : لمّا كنّا نحن نعقل وكانت الكواكب تدبرنا كانت أولى بالعقل والحياة منّا. فقلنا : هاتان دعوتان مجموعتان في نسق ، إحداهما القول بأنها تدبرنا فهي دعوى كاذبة بلا برهان على ما نذكره بعد هذا إن شاء الله ، والثانية الحكم بأن من يدبرنا أحق بالعقل والحياة منا ، فقد وجدنا التدبير يكون طبيعيا ويكون اختياريا ، فلو صح أنها تدبرنا لكان تدبيرا طبيعيا كتدبير الغذاء لنا ، وكتدبير الهواء والماء لنا ، وكل ذلك ليس حيّا ولا عاقلا بالمشاهدة. وقد أبطلنا الآن أن يكون تدبير النجوم اختياريا بما ذكرنا من جريها على حركة واحدة ورتبة واحدة ، لا تنتقل عنها أصلا. وأما القول بقضايا النجوم فإنا نقول في ذلك قولا لائحا ظاهرا إن شاء الله تعالى.
قال أبو محمد : أما معرفة قطعها في أفلاكها وآحاد ذلك ومطالعها ، وأبعادها ، وارتفاعاتها واختلاف مراكز أفلاكها ، فعلم حسن صحيح رفيع يشرف به الناظر فيه على