الكلام في خلق الله تعالى للشيء أهو المخلوق نفسه أم غيره ...؟
وهل فعل من دون الله تعالى هو المفعول أم غيره ...؟
قال أبو محمد : ذهب قوم إلى أن خلق الشيء هو غير الشيء المخلوق ، واحتج هؤلاء بقول الله عزوجل : (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) [سورة الكهف : ٥١].
قال أبو محمد : ولا حجة لهم في هذه الآية لأن الإشهاد هاهنا هو الإحضار بالمعرفة ، وهذا حق لأن الله تعالى لم يحضرنا عارفين ابتداء خلق السماوات والأرض وابتداء أنفسنا ، ووجدنا من قال : إن خلق الشيء هو الشيء نفسه يحتج بقول الله عزوجل : (هذا خَلْقُ اللهِ) [سورة لقمان : ١١] الآية.
وهذه إشارة إلى جميع المخلوقات فقد سمى الله تعالى جميع المخلوقات كلها خلقا له ، وهذا برهان لا يعارض.
قال أبو محمد : ثم نسأل من قال إن خلق الشيء غير الشيء ، فنقول له : أخبرنا عن خلقه الله تعالى لما خلق أمخلوق هو أيضا أم غير مخلوق؟ ولا بد من أحد الأمرين فإن قالوا : هو غير مخلوق أوجبوا بإزاء كل مخلوق شيئا موجودا غير مخلوق ، وهذا مضاهاة لقول الدّهرية ، والبرهان قد قام بخلاف هذا. وقال عزوجل : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) [سورة الفرقان : ٢].
وإن قالوا : بل خلق الله تعالى لما خلق مخلوق ، قلنا : خلقه تعالى لذلك الخلق أبخلق أم بغير خلق؟ فإن قالوا بغير خلق قيل لهم من أين قلتم إن خلقه الأشياء بخلق هو غير المخلوق وقلتم في خلقه لذلك الخلق إنه بغير خلق؟ وهذا تخليط. وإن قالوا : بل خلقه بخلق. سألناهم أبخلق هو هو أو بخلق هو غيره؟ وهكذا أبدا فإن وقفوا في شيء من ذلك فقالوا : خلقه هو هو سألناهم عن الفرق بين ما قالوا إن خلقه هو غيره وبين ما قالوا إن خلقه هو هو. فإن تمادوا وأخرجوا إلى الوجود أشياء لا نهاية لها فهذا محال ممتنع. وقد قطع بهذا معمّر بن عمرو العطار ، أحد رؤساء المعتزلة ، وسنذكر كلامه بعد هذا إن شاء الله تعالى متصلا بهذا الباب وبالله تعالى نتأيد. وأيضا فإن