الكلام في البقاء والفناء
والمعاني التي يدّعيها معمّر والأحوال التي تدّعيها الأشعرية ، وهل المعدوم شيء أم ليس شيئا ..؟ ومسألة الأجزاء وهل يتجدد خلق الله تعالى للأشياء أم لا يتجدد ..؟
قال أبو محمد : ذهب قوم إلى أن البقاء والفناء صفتان للباقي والفاني ، لا هما الباقي ولا الفاني ولا هما غير الباقي والفاني.
قال أبو محمد : وهذا قول في غاية الفساد لأن القضية الثانية تنقض الأولى ، والأولى تنقض الثانية ، لأنه إذا قال : ليست هي هو فقد أوجب أنها غيره ، وإذا قال ليست غيره فقد أوجب أنه هو ، وهذا تناقض ظاهر ، وأيضا فإنه لا فرق بين قول القائل : ليس هو هو ولا غيره ، وبين قوله هو هو وهو غيره ، والمعنى في كلتا القضيتين سواء. وأيضا فلو كان البقاء ليس هو الباقي ولا هو غيره ، والفناء ليس هو الفاني ، ولا هو غيره ، والباقي هو الفاني نفسه ، والباقي ليس هو الباقي ولا هو غيره ، وهذا يزيد من الجنون ومن التناقض. وذهب معمّر إلى أن الفناء صفة قائمة بغير الفاني.
قال أبو محمد : وهذا تخليط لا يعقل ولا يتوهم ولا يقوم عليه دليل أصلا ، وما كان هكذا فهو باطل. والحقيقة في ذلك ظاهرة وهي أن البقاء هو وجود الشيء وكونه ثابتا قائما مدة زمان ما فإذ هو قائم كذلك فهو صفة موجودة في الباقي ، محمولة فيه ، قائمة به موجودة بوجوده فانية بفنائه ، وأما الفناء فهو عدم الشيء وبطلانه جملة وليس هو شيئا أصلا والفناء المذكور ليس موجودا في شيء البتة من الجواهر وإنما هو عدم العرض فقط كحمرة الخجل إذا ذهبت ، عبّر عن المعنى المراد بالإخبار عن ذهابها بلفظة الفناء ، وكالغضب يفنى ويعقبه رضى وما أشبه ذلك. ولو شاء الله أن يعدم الجواهر لقدر على ذلك ولكنه لم يوجد ذلك إلى الآن ولا جاء به نص فنقف عنده فالفناء عدم كما قلنا.