الكلام في المعدوم أهو شيء أم لا
قال أبو محمد رضي الله عنه : وقد اختلف الناس في المعدوم أهو شيء أم لا؟ فقال أهل السنة وطوائف من المرجئة كالأشعرية وغيرهم ليس شيئا ، وبه يقول هشام بن عمرو الفوطي ، أحد شيوخ المعتزلة ، وقال سائر المعتزلة المعدوم شيء. وقال عبد الرحيم بن محمد بن عثمان الخياط أحد شيوخ المعتزلة : إن المعدوم جسم في حال عدمه ، إلا أنه ليس متحركا ولا ساكنا ولا مخلوقا ولا محدثا في حال عدمه.
قال أبو محمد : واحتج من قال إن المعدوم شيء بأن قالوا : قال الله عزوجل (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) [سورة الحج : ١].
فقالوا : فقد أخبر الله عزوجل بأنها شيء وهي معدومة ، ومن الدليل على أن المعدوم شيء أنه يخبر عنه ، ويوصف ، ويتمنى ، ومن المحال أن يكون ما هذه صفته ليس شيئا.
قال أبو محمد : أما قول الله عزوجل : (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) فإن هذه القضية موصولة بقوله تعالى : (يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى).
فإنما تم الكلام عند قوله (يَوْمَ تَرَوْنَها) ، فصح أن زلزلة الساعة يوم ترونها شيء عظيم ، وهذا هو قولنا. ولم يقل تعالى قط إنها الآن شيء عظيم. ثم أخبر تعالى بما يكون يومئذ من ذهول المرضعات ، ووضع الأحمال وكون الناس سكارى من غير خمر ، فبطل تعلقهم بالآية. وما نعلم أنهم شغبوا بشيء غيرها. وأما قولهم إن المعدوم يخبر عنه ويوصف ويتمنى ويسمّى به ، فجهل شديد وظن فاسد ، وذلك أن قولنا في شيء نذكر أنه معدوم ونخبر عنه أنه معدوم ، ويتمنى به إنما هو أن يذكر اسم ما فذلك الاسم موجود وبلا شك يعرف ذلك بالحس كقولنا العنقاء وابن آوى وحبير وابن عرس ونبوة مسليمة ، وما أشبه ذلك. ثم كل اسم ينطق به ويوجد ملفوظا أو مكتوبا فإنه ضرورة لا بد له من أحد وجهين إما أن يكون له مسمى وإما أن يكون ليس له مسمى ، فإن كان له مسمى فهو موجود وهو شيء حينئذ وإن كان ليس له مسمى فإخبارنا بالمعدوم ،