الكلام في المعاني على قول معمّر
قال أبو محمد : وأما معمّر ومن اتبعه فقالوا : إنا وجدنا المتحرك والساكن فأيقنا أن معنى حدث في المتحرك به فارق الساكن في صفته ، وأن معنى حدث في الساكن به أيضا فارق المتحرك في صفته ، وكذلك علمنا أن في الحركة معنى به فارقت السكون ، وأن في السكون معنى به فارق الحركة.
وكذلك علمنا أن في ذلك المعنى الذي خالفت به الحركة السكون ، معنى به فارق المعنى الذي به فارقه السكون ، وهكذا أبدا أوجبوا أن في كل شيء في هذا العالم من جوهر أو عرض أي شيء كان معاني فارق بكل معنى منها كل ما عداه في العالم ، وكذلك أيضا في تلك المعاني لأنها أشياء موجودة متغايرة ، وأوجبوا بهذا وجود أشياء في زمان محدود في العالم لا نهاية لعددها.
قال أبو محمد : هذه جملة كل ما شغبوا به إلا أنهم فصّلوها ومدوها في الكفر والكافر ، والإيمان والمؤمن ، وفي غير ذلك مما هو المعنى الذي أوردناه بعينه ، ولا زيادة فيه أصلا.
قال أبو محمد : وهذا ليس شيئا لأننا نقول لهم وبالله تعالى التوفيق : العالم كله قسمان جوهر حامل وعرض محمول ولا مزيد ولا ثالث في العالم غير هذين القسمين ، هذا أمر يعرف بضرورة العقل وضرورة الحس ، فالجواهر مغايرة بعضها لبعض بذواتها التي هي أشخاصها يعني بالغيريّة فيها ، وتختلف أيضا بجنسها ، وهي أيضا مفترق بعضها من بعض بالعرض المحمول في كل حال من الجواهر. وأما الأعراض : فمغايرة للجواهر بذواتها بالغيرية فيها ، وكذلك هي أيضا بعضها مغاير لبعض بذواتها ، وبعضها مفارق لبعض بذواتها ، وإن كان بعض الأعراض أيضا قد تحمل الأعراض كقولنا حمرة مشرقة ، وحمرة كدرة ، وعمل سيّئ ، وعمل صالح ، وقوة شديدة ، وقوة دونها في الشدة ، ومثل هذا كثير إلا أن كل هذا يقف في عدد متناه لا يزيد. هذا أمر يعلم بالحس والعقل ، فالمتحرك يفارق الساكن هذا بحركته وهذا بسكونه والحركة تفارق السكون بذاتها ، ويفارقها السكون بذاته وبالنوعية والغيرية ، والحركة إلى الشرق تفارق الحركة