خلق الله عزوجل العالم في كل وقت
وزيادته في كل دقيقة
قال أبو محمد : وذكر عن النظام أنه قال : إن الله تعالى يخلق كل ما خلق في وقت واحد دون أن يعدمه. وأنكر عليه هذا القول بعض أهل الكلام.
قال أبو محمد : وقول النظام هاهنا صحيح لأننا إذا أثبتنا أن خلق الشيء هو الشيء نفسه فخلق الله تعالى قائم في كل موجود أبدا ما دام ذلك الموجود موجودا. وأيضا فإنا نسأل ما معنى قولكم خلق الله تعالى أمر كذا؟ فجوابهم أن معنى خلقه أنه تعالى خرّجه من العدم إلى الوجود. فنقول لهم : أليس معنى هذا القول منكم أنه أوجده ولم يكن موجودا؟ فمن قولهم نعم فنقول لهم وبالله تعالى التوفيق :
فالخلق هو الإيجاد عندكم بلا شك ، فأخبرونا أليس الله تعالى موجدا لكل موجود أبدا مدة وجوده؟ فإن أنكروا ذلك أحالوا وأوجبوا أن الأشياء موجودة وليس الله تعالى موجدا لها الآن ، وهذا تناقض. وإن قالوا : نعم فإن الله موجد لكل شيء موجود أبدا قلنا لهم هذا هو الذي أنكرتم بعينه قد أقررتم به ، لأن الإيجاد هو الخلق نفسه والله تعالى موجد لكل ما يوجد في كل وقت أبدا وإن لم يفنه قبل ذلك ، والله تعالى خالق لكل مخلوق في كل وقت وإن لم يفنه قبل ذلك. وهذا لا مخلص لهم منه وبالله تعالى التوفيق.
وبرهان آخر وهو قول الله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) [سورة الأعراف : ١١].
وصح البرهان بأن الله تعالى خلق التراب والماء اللّذين يتغذّى آدم وبنوه بما استحال عنهما وصارت فيهم دما وأحاله الله تعالى منيّا ، فثبت بهذا يقينا أن جميع أجساد الحيوان والنوامي كلها متفرقة ، ثم جمعها الله تعالى فقام منها الحيوان والنوامي وقال عزوجل : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) [سورة المؤمنون : ١٤] وقال تعالى : (خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) [سورة الزمر : ٦].
فصح أن في كل حين يحيل الله أحوال مخلوقاته فهو خلق جديد ، فالله تعالى يخلق في كل حين جميع العالم مستأنفا دون أن يفنيه وبالله تعالى نتأيد.