الكلام في الحركات والسكون
قال أبو محمد : ذهبت طائفة إلى أنه لا حركة في العالم ، وأن كل ذلك سكون ، واحتجوا بأن قالوا : وجدنا الشيء ساكنا في المكان الأول ساكنا في المكان الثاني وهكذا أبدا ، فعلمنا أن كل ذلك سكون وهذا قول منسوب إلى معمّر بن عمرو العطار ، مولى بني سليم أحد رؤساء المعتزلة. وذهبت طائفة إلى أن لا سكون أصلا ، وإنما هي حركة اعتماد ، وهذا قول منتسب إلى إبراهيم بن سيار النظام. واحتج غير النظام من أهل هذه المقالة بأن قال : السكون إنما هو عدم الحركة ، والعدم ليس شيئا. وقال بعضهم : هو ترك الحركة وترك الفعل ليس فعلا ولا هو معنى. وذهبت طائفة إلى إبطال الحركة والسكون معا ، وقالوا : إنما يوجد متحرك وساكن فقط وهو قول أبي بكر بن كيسان الأصم. وذهبت طائفة إلى أن الجسم في أول خلق الله تعالى له ليس ساكنا ولا متحركا. وذهبت طائفة إلى إثبات الحركة والسكون إلا أنها قالت : إن الحركات أجسام ، وهو قول هشام بن الحكم شيخ الإمامية ، وجهم بن صفوان السمرقندي. وذهبت طائفة إلى إثبات الحركة والسكون وأن كل ذلك أعراض وهذا هو الحق.
فأما من قال بنفي الحركة وأن كل ذلك سكون فقولهم يبطل بأننا قد علمنا أن السكون إنما هو إقامة في المكان ، وأن الحركة نقلة عن ذلك المكان وزوال عنه ، ولا شك في أن الزوال عن الشيء هو غير الإقامة فيه ، فإذ الأمر كذلك فواجب أن يكون لهذين المعنيين المتغايرين لكل واحد منهما اسم غير اسم الآخر كما هما متغايران ، فاتفق في اللغة أن يسمى أحدهما حركة ، ويسمى الآخر سكونا. وأما قولهم إن كلّ حركة فهي سكون في المكان الثاني فليس كذلك ، لأن السكون إقامة لا نقلة فيها فإذا وجدت نقلة متصلة لا إقامة فيها فهي غير الإقامة التي لا نقلة فيها ، ونوع آخر له أيضا أشخاصه غير أشخاص النوع الآخر ، وبيقين ندري أن الشيء المتحرك من مكان إلى مكان فإنه وإن جاوز كلّ مكان يمر عليه فإنه غير واقف ولا مقيم. وهذا ما لا شك فيه يعرف ذلك بضرورة الحس ، فصح أن الحركة معنى وأن السكون معنى آخر.
وأما من قال إن السكون حركة اعتماد فاحتجاج لا يعقل فلا وجه للاشتغال به.