الكلام في التولد
قال أبو محمد : تنازع المتكلمون في معنى عبروا عنه بالتولد ، وهو أنهم اختلفوا في من رمى سهما فخرج به إنسانا أو غيره ، وفي حرق النار ، وتبريد الثلج ، وسائر الآثار الظاهرة من الجمادات ، فقالت طائفة : ما تولد من ذلك عن فعل إنسان أو حيّ فهو فعل الإنسان والحي. واختلفوا فيما تولد من غير حي ، فقالت طائفة : هو فعل الله وقالت طائفة من تولد من غير حي فهو فعل الطبيعة. وقال آخرون : كل ذلك فعل الله عزوجل.
قال أبو محمد : فهؤلاء مبطلون للحقائق غائبون عن موجبات العقول.
قال أبو محمد : والأمر أبين من أن يطول فيه الخطاب والحمد لله رب العالمين. والصّواب في ذلك أن كلّ ما في العالم من جسم أو عرض في جسم أو أثر من جسم فهو خلق الله عزوجل فكل ذلك فعل الله تعالى بمعنى أنه خلقه ، وكل ذلك مضاف بنص القرآن وبحكم اللغة إلى ما ظهر منه من حي أو جماد. قال تعالى : (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) [سورة الحج : ٥].
فنسب عزوجل الاهتزاز والإنبات والربو إلى الأرض. وقال تعالى : (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ) [سورة المؤمنون : ١٠٤] فأخبر تعالى أن النّار تلفح.
وقال تعالى : (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ) [سورة الكهف : ٢٩] فأخبر عزوجل : أنّ الماء يشوي الوجوه.
وقال تعالى : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) [سورة النساء : ٩٢] فسمى تعالى المخطئ قاتلا وأوجب عليه حكما ، وهو لم يقصد قتله قط لكنه تولد عن فعله.
وقال تعالى : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [سورة فاطر : ١٠] فأخبر تعالى أن الكلم يصعد ، وأن العمل يرفع الكلم والعلم عرض من الأعراض.
وقال تعالى : (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ) [سورة آل عمران : ١٤٤] وقال تعالى : (عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ) [سورة التوبة : ١٠٩].