الكلام في المداخلة والمجاورة والكمون
قال أبو محمد : ذهب القائلون بأن الألوان أجسام إلى المداخلة ومعنى هذه اللفظة أن الجسمين يتداخلان فيكونان جميعا في مكان واحد.
قال أبو محمد : وهذا كلام فاسد لما سنبينه إن شاء الله تعالى في باب الكلام في الأجسام والأعراض من ديواننا هذا وبالله نتأيد.
من ذلك أن كل جسم فله مساحة وإذا كان كذلك فله مكان ولا بدّ ، وإذ له مكان بقدر مساحته ولا بدّ فإن كل جسم زيد عليه جسم آخر ، فإن ذلك الجسم الزائد يحتاج إلى مكان زائد من أجل مساحته الزائدة ، هذا أمر يعلم بالمشاهدة فإن اختلاط الأمر على من لم يتمرّن في معرفة حدود الكلام من أجل ما يرى في الأجسام المتخلخلة من تخلل الأجسام المائعة لها فإنما هذا لأن في خلال أجزاء تلك الأجسام المتخلخلة خروقا صغارا مملوءة هواء فإذا صبّ عليها الماء أو مائع ما ملأ تلك الخروق ، وخرج عنها الهواء الذي كان فيها ، وهذا ظاهر للعين محسوس خروج الهواء عنها بنفاخات وصوت من كل ما يخرج عنه الهواء مسرعا. والذي ذكرنا فإنه إذا تم خروج الهواء عنه وزيد في عدد المائع ربا واحتاج إلى مكان زائد. وأما الذي ذكرنا قبل فإنه في الأجسام المكتنزة كما صبّ على ماء ، أو دهن على دهن ، أو دهن على ماء وهكذا في كل شيء من هذه الأنواع وغيرها.
فصح يقينا أن الجسم إنما يكون في الجسم على سبيل المجاورة ، كل واحد في حيز غير حيز الآخر وإنما تكون المداخلة بين الأعراض والأجسام وبين الأعراض والأعراض ، لأن العرض لا يشغل مكانا فنجد اللون والطعم والمحسة والرائحة والحر والبرد والسكون ، كل ذلك مداخل للجسم ، ومداخل بعضه بعضا ، ولا يمكن أن يكون جسم واحد في مكانين ، ولا جسمان في مكان واحد. ثم إن المجاورة بين الجسمين تنقسم ثلاثة أقسام إحداها : أن يخلع أحد الجسمين كيفياته ويلبس كيفية الآخر ، كنقطة رميتها في دن خل أو دن مرت أو في لبن أو في مداد أو شيء يسير من بعض هذه في بعض أو من غيرها كذلك ، فإن الغالب منها يسلب المغلوب كيفياته الذاتية والغيرية