الكلام في الطفرة
قال أبو محمد : نسب قوم من المتكلمين إلى إبراهيم النظّام أنه قال : إن المارّ على سطح الجسم يسير من مكان إلى مكان بينهما أماكن لم يقطعها المار ولا مرّ عليها ، ولا حاذها ولا حلّ فيها.
قال أبو محمد : وهذا عين المحال والتخليط.
قال أبو محمد : إلا إن كان هذا على قوله في أنه ليس في العالم إلا جسم حاشا الحركة فقط ، فإنه وإن كان قد أخطأ في هذه القضية فكلامه الذي ذكرنا خارج عليه خروجا صحيحا ، لأن هذا الذي ذكرنا ليس موجودا البتة إلا في حاسة البصر فقط ، وكذلك إذا أطبقت بصرك ثم فتحته لاقى نظرك خضرة السماء والكواكب التي في الأفلاك البعيدة بلا زمان ، كما يقع على أقرب ما يلاصقه من الألوان ، ولا تفاضل بين الإدراكين في المدة أصلا.
فصح ضرورة أن خط البصر لو قطع المسافة التي بين الناظر وبين الكواكب ومرّ عليها لكان ضرورة بلوغه إليها في مدة أطول من مدة مروره على المسافة التي ليس بينه وبين من يراه فيها إلا يسيرا أو أقل ، فصح يقينا أن البصر يخرج من الناظر ويقع على كل مرئيّ قرب أو بعد دون أن يمر في شيء من المسافة التي بينهما ، ولا يحلّها ، ولا يحاذيها ، ولا يقطعها ، وأما في سائر الأجسام فهذا محال ألا ترى أنك تنظر إلى الهدم وإلى ضرب القصّار بالثوب في الحجر من بعد ، فتراه ثم يقيم سويعة ، وحينئذ تسمع صوت ذاك الهدم وذلك الضرب فصح يقينا أن الصوت يقطع الأماكن وينتقل فيها ، وأن البصر لا يقطعها ولا ينتقل فيها ، فإذا صح البرهان بشيء ما لم يعترض عليه إلا عديم عقل ، أو عديم حياء ، أو عديم علم أو عديم دين وبالله تعالى التوفيق.