الكلام في الإنسان
قال أبو محمد : اختلف الناس في هذا الاسم علام يقع؟ فذهبت طائفة إلى أنه إنما يقع على الجسد دون النفس ، وهو قول أبي الهذيل العلاف. وذهبت طائفة إلى أنه يقع على النفس دون الجسد ، وهو قول إبراهيم النظام. وذهبت طائفة إلى أنه يقع عليهما معا ، كالبلق الذي لا يقع على السّواد والبياض معا.
قال أبو محمد : واحتجت الطائفة التي ذكرنا بقول الله عزوجل : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ) [سورة الرحمن : ١٤]. وبقوله تعالى : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) [سورة الطارق : ٥ ـ ٧]. وقال تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى) [سورة القيامة : ٣٦ ـ ٣٨].
وبآيات أخر غير هذه ، وهذه بلا شك صفة الجسد لا صفة النفس لأن الروح إنما نفخ بعد تمام خلق الإنسان الذي هو الجسد. واحتجت الطائفة الأخرى بقول الله عزوجل : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) [سورة المعارج : ١٩ ، ٢٠]. وهذا بلا خلاف صفة النفس لا صفة الجسد ، لأن الجسد موات والفعّالة هي النفس وهي المميزة الحية ، حاملة لهذه الأخلاق وغيرها.
قال أبو محمد : وكلا هذين الاحتجاجين حق وليس أحد منهما أولى بالقبول من الآخر ، ولا يجوز أن يعارض أحدهما بالآخر ، لأن كليهما من عند الله عزوجل ، وما كان من عند الله فليس بمختلف ، قال تعالى : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [سورة النساء : ٨٢].
فإذ كل هذه الآيات حق فقد ثبت أنّ للإنسان اسم يقع على النفس دون الجسد ، ويقع أيضا على الجسد دون النفس ، ويقع أيضا على كليهما معا مجتمعين ، فنقول في الحيّ : هذا إنسان ، وهو مشتمل على جسد وروح ، ونقول للميت : هذا إنسان وهو جسد لا نفس فيه ، ونقول : إنّ الإنسان يعذب قبل يوم القيامة وينعم ، يعني النفس دون الجسد. وأمّا من قال : إنه لا يقع إلّا على النفس والجسد معا فخطأ يبطله الذي ذكرنا من النصوص التي فيها وقوع اسم الإنسان على الجسد دون النفس ، وعلى النفس دون الجسد ، وبالله تعالى التوفيق.