الإمامة بعد الرسول
قال أبو محمد : قد اختلف الناس في هذا فقالت طائفة إن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يستخلف أحدا. ثم اختلفوا ، فقال بعضهم : لكن لما استخلف أبا بكر رضي الله عنه على الصلاة كان ذلك دليلا على أنه أولاهم بالإمامة والخلافة على الأمور. وقال بعضهم : لا ، ولكن كان أبينهم فضلا فقدموه لذلك ، وقالت طائفة : بل نص رسول الله صلىاللهعليهوسلم على استخلاف أبي بكر بعده على أمور الناس نصا جليا.
قال أبو محمد : وبهذا نقول لبراهين أحدها : إطباق الناس كلهم وهم الذين قال الله تعالى فيهم : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [سورة الحشر : ٨] فقد أصفق هؤلاء الذين شهد الله لهم بالصدق وجميع إخوانهم من الأنصار رضي الله عنهم على أن سموه خليفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومعنى الخليفة في اللغة هو الذي يستخلفه المرء لا الذي يخلفه دون أن يستخلفه هو ، لا يجوز غير هذا البتة في اللغة بلا خلاف. تقول : استخلف فلان فلانا يستخلفه فهو خليفه ومستخلفه ، فإن قام مكانه دون أن يستخلفه هو لم يقل إلا خلف فلان فلانا يخلفه فهو خالف ، ومحال أن يعنوا بذلك الاستخلاف على الصلاة لوجهين ضروريين أحدهما : أنه لم يستحق أبو بكر رضي الله عنه قط هذا الاسم على الإطلاق في حياة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو حينئذ خليفته على الصلاة ، فصح يقينا أن خلافته المسمى هو بها هي غير خلافته على الصلاة.
والثاني : أن كل من استخلفه رسول الله صلىاللهعليهوسلم في حياته كعلي في غزوة تبوك ، وابن أم مكتوم في غزوة الخندق ، وعثمان بن عفان في غزوة ذات الرقاع ، وسائر من استخلفه على البلاد باليمن والبحرين والطائف وغيرها ، لم يستحق أحد منهم قط بلا خلاف من أحد من الأمة أن يسمى خليفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم على الإطلاق.
فصح يقينا بالضرورة التي لا محيد عنها أنها للخلافة بعده على أمته. ومن الممتنع أن يجمعوا على ذلك وهو عليهالسلام لم يستخلفه نصا ، ولو لم يكن هاهنا إلا استخلافه إياه على الصلاة ما كان أبو بكر أولى بهذه التسمية من غيره ممن ذكرنا ،