مؤلفا من أهوية ، ولا أن يكون الفلك مؤلفا من أفلاك ، ولا أن تكون النفس مؤلفة من أنفس ، وحتى لو قيل ذلك بمعنى أن كل بعض منها يسمى نفسا وكل بعض من الفلك يسمى فلكا ، فما كان يكون في ذلك ما يعترض به على أنها جسم كسائر الأجسام التي ذكرنا ، وبالله تعالى التوفيق.
وقالوا أيضا : طبع ذات الجسم أن يكون غير متحرك والنفس متحركة ، فإن كانت هذه الحركة التي فيها من قبل الباري تعالى فقد وجدنا لها حركات فاسدة ، فكيف يضاف ذلك إلى الباري تعالى؟
قال أبو محمد : وهذا كلام في غاية الفساد والهجنة ، ولقد كان ينبغي لمن ينتسب إلى العلم إن كان يدري مقدار سقوط هذه الاعتراضات وسخفها أن يصون نفسه عن الاعتراض بها لرذالتها وإن كان لا يدري رذالتها فكان الأولى به أن يتعلم قبل أن يتكلم ، فأما قوله إن طبع ذات الجسم أن تكون غير متحركة ، فقول ظاهر الكذب والمجاهرة ، لأن الأفلاك والكواكب أجسام وطبعها الحركة الدائمة المتصلة أبدا ، إلى أن يحيلها خالقها عن ذلك يوم القيامة.
وإن للعناصر دون الفلك أجساما وطبعها الحركة إلى مقرها ، والسكون في مقرها ، وأما النفس فلأنها حية كان طبعها السكون الاختياري والحركة الاختيارية حينا وحينا ، هذا كله لا يجهله أحد به ذوق.
وأما قولهم : إن لها حركات ردية فكيف تضاف إلى الباري تعالى ....؟ فإنما كان بعض حركات النفس رديا لمخالفة النفس أمر باريها في تلك الحركات ، وإنما أضيفت إلى الباري تعالى لأنه خلقها فقط على قولنا أو لأنه تعالى خلق تلك القوى التي بها كانت تلك الحركات ، فسقط إلزامهم الفاسد والحمد لله رب العالمين.
وقالوا أيضا : إن الأجسام في طبعها الاستحالة والتغير واحتمال الانقسام أبدا بلا غاية ليس شيء منها إلا هكذا أبدا ، فهي محتاجة إلى من يربطها ويشدها ويحفظها ويكون به تماسكها. قالوا : والفاعل لذلك النفس فلو كانت النفس جسما لكانت محتاجة إلى من يربطها ويحلها ، فيلزم من ذلك أن تحتاج النفس إلى نفس أخرى ، والأخرى إلى أخرى والأخرى كذلك إلى ما لا نهاية له ، وما لا نهاية له باطل.
قال أبو محمد : هذا أفسد من كل قول سلف من تشغباتهم لأنّ مقدمته مغشوشة فاسدة كاذبة. أما قولهم : إن الأجسام في طبعها الاستحالة والتغيير على الإطلاق كذب ، لأن الفلك جسم لا يقبل الاستحالة ، وإنما تجب الاستحالة والتغيير في الأجسام