الكلام في الجزء الذي ادّعوا أنه لا يتجزأ
قال أبو محمد : ذهب جمهور المتكلمين إلى أن الأجسام تنحل إلى أجزاء صغار ، ولا يمكن البتة أن يكون لها تجزؤ ، وأن تلك الأجسام جواهر لا أجسام. وذهب النظّام وكل من يحسن القول من الأوائل إلى أنه ما من جزء وإن دق ، إلا وهو يحتمل التجزؤ أبدا بلا نهاية وأنه ليس في العالم جزء لا يتجزأ وأن كل جزء يقسم الجسم إليه فهو جسم أيضا وإن دق أبدا.
قال أبو محمد : وعمدة القائلين بوجود الجزء الذي لا يتجزأ خمس مشاغب ، وكلها راجع بحول الله تعالى وقوته عليهم ، ونحن إن شاء الله عزوجل نذكرها كلها ، ونتقصى لهم كل ما موّهوا به ونرى بعون الله عزوجل بطلان جميعها بالبراهين الضرورية ، ثم نرى بالبراهين الصحاح صحة القول بأن كل جزء فهو يتجزأ أبدا ، وأنه ليس في العالم جزء لا يتجزأ أصلا ، كما فعلنا بسائر الأقوال والحمد لله رب العالمين.
قال أبو محمد : فأول مشاغبهم أن قالوا : أخبرونا إذا قطع الماشي المسافة التي مشى فيها فهل قطع ذا نهاية أو غير ذي نهاية؟ فإن قلتم قطع غير ذي نهاية فهذا محال ، وإن قلتم ذا نهاية فهذا قولنا.
قال أبو محمد : فجوابنا وبالله تعالى التوفيق أن القوم أتوا من أحد وجهين : إما أنهم لم يفهموا قولنا فتكلموا بجهل وهذا لا يرضاه ذو ورع ولا ذو عقل ولا ذو حياء ، وإما أنهم لما عجزوا عن معارضة الحق رجعوا إلى الكذب والمباهتة وهذه شر من الأولى ، وفي أحد هذين القسمين وجدنا كلّ من ناظرناه منهم في هذه المسألة ، وهكذا عرض لنا سواء سواء مع المخالفين لنا في القياس المدعين لتصحيحه ، فإنهم أيضا أحد رجلين : إما جاهل بقولنا فهو بقولنا ما لا نقوله ، ويتكلم في غير ما اختلفنا فيه ، وإمّا مكابر ينسب إلينا ما لا نقوله مباهتة وجرأة على الكذب ، وعجزا عن معارضة الحق من أننا ننكر اشتباه الأشياء ، وأننا ننكر قضايا العقول ، وأننا ننكر استواء حكم الشيئين فيما أوجبه لهما ما اشتبها فيه ، وهذا كله كذب علينا بل نحن نقرّ بذلك كله ونقول به ، وإنما ننكر أن