المرتاب فإنه يقال له ما قولك في هذا الرجل يعني رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيقول لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته» (١).
قال أبو محمد : هذا حق على ظاهره ، كما أخبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه لا يقول هذا إلا المنافق أو المرتاب ، لا المؤمن الموقن ، بل المؤمن الموقن ذكر في هذا الحديث أنه يقول : هو عبد الله ورسوله أتانا بالهدى والنور ، أو كلاما هذا معناه ، فإنما أخبر عليهالسلام عن موقن ومرتاب لا عن مستدل وغير مستدل ، وكذلك نقول إن من قال في نفسه أو بلسانه لو لا أني نشأت بين المسلمين لم أكن مسلما وإنما اتبعت من نشأت بينهم ، فهذا ليس مؤمنا ولا موقنا ، ولا متبعا لمن أمره الله باتباعه ، بل هو كافر.
قال أبو محمد : وإذ كان قد يستدل دهره كله من لا يوفقه الله تعالى للحق ، وقد يوفق من لا يستدل يقينا لو علم أن أباه أو أمه أو ابنه أو امرأته وأهل الأرض يخالفونه فيه لاستحل دماءهم كلهم ، ولو خير بين أن يلقى في النار وبين أن يفارق الإسلام لاختار أن يحرق بالنار ، على أن يقول مثل هذا ، قلنا : فإذ هو موجود فقد صح أن الاستدلال لا معنى له ، وإنما المدار على اليقين والعقد فقط وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد : وإنما يضطر إلى الاستدلال من نازعته نفسه إليه ، ولم يسكن قلبه إلى اعتقاد ما لم يعرف برهانه ، فهذا يلزمه طلب البرهان حينئذ ليقي نفسه نارا وقودها الناس والحجارة ، فإن مات شاكّا قبل أن يصح عنده البرهان مات كافرا مخلدا في النار أبدا.
قال أبو محمد : ثم نرجع إلى ما كنا فيه هل المعارف باضطرار أم باكتساب ...؟ فنقول وبالله تعالى التوفيق : إن المعلومات قسم واحد وهو ما عقد عليه المرء قلبه وتيقنه. ثم هذا ينقسم قسمين أحدهما حق في ذاته قد قام البرهان على صحته ، والثاني لم يقم على صحته برهان. وأما ما لم يتيقن المرء صحته في ذاته فليس عالما به ولا له به علم ، وإنما هو ظان له. وأما كلّ ما علمه المرء ببرهان صحيح فهو مضطر إلى علمه به لأنه لا مجال للشك فيه عنده ، وهذه صفة الضرورة. وأما الاختيار فهو الذي إن شاء المرء فعله وإن شاء تركه.
__________________
(١) رواه البخاري في العلم باب ٢٤ ، والوضوء باب ٣٧ ، والجمعة باب ٢٩ ، والكسوف باب ١٠. والاعتصام باب ٢. ومسلم في الكسوف حديث ١١. ومالك في الكسوف حديث ٤. وأحمد في المسند (٦ / ٣٤٥).