قال أبو محمد : فعلمنا بحدوث العالم وأن له بكل ما فيه خالقا واحدا لم يزل يشبهه شيء من خلقه في شيء من الأشياء ، والعلم بصحة نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم وصحة كل ما أتى به مما نقله إلينا الصحابة رضي الله عنهم ، ونقله عنهم الكواف كافة بعد كافة ، حتى بلغ الأمر إلينا وكان نقله تواترا حتى بلغ إلينا ، ونقله المتفق على عدالته عن مثله ، وهكذا حتى بلغ إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فهو كله علم حق متيقن مقطوع على صحته عند الله تعالى ، لأن الأخذ بالظن في شيء من الدّين لا يحلّ قال تعالى : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) [سورة يونس : ٣٦].
وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إيّاكم والظّنّ فإنّ الظّنّ أكذب الحديث» (١).
وقال تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [سورة الحجر : ٩].
فصح أن الدين محفوظ لما ضمن الله عزوجل حفظه ، فنحن على يقين من أنه لا يجوز أن يكون فيه شك ، وقد أمر الله تعالى بقبول خبر الواحد العدل ، ومن المحال أن يأمر عزوجل بأن نقول عليه ما لم يقل وهو قد حرّم ذلك ، أو أن نقول عليه ما لا نعلم لأنه تعالى قد حرّم ذلك بقوله : (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) [سورة البقرة : ١٦٩].
فكل ما أمرنا الله عزوجل بالقول به فنحن على يقين من أنه من الدّين وأن الله تعالى قد حماه من كل دخيل ، وكذلك أخذنا بالزائد من الاثنين المتعارضين ، ومن الخبرين الثابتين المتعارضين ، وقد علمنا صحة الحق في فعلنا ذلك علم ضرورة متيقن.
ولا عجب أعجب ممن يقول إن خبر الواحد لا يوجب العلم ، وإنما هو غالب ظن. ثم نقطع به ونقول إنه قد دخلت في الدين دواخل لا تتميز من الحق ، وأنه لا سبيل إلى تمييز ما أمر الله تعالى به في الدين مما شرعه الكذابون ، هذا أمر نعوذ بالله منه ومن الرضا به.
قال أبو محمد : وأما ما أجمعت عليه الجماعات العظيمة من آرائهم مما لم يأت به نص عن الله عزوجل ولا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فهو باطل عند الله بيقين ، لأنه شرع في الدين ما لم يأذن به الله تعالى وقال على الله تعالى ما لم يقله.
__________________
(١) رواه البخاري في الوصايا باب ٨ ، والنكاح باب ٤٥ ، والفرائض باب ٢ ، والأدب باب ٥٧ و ٥٨. ومسلم في البر والصلة والآداب حديث ٢٨. والترمذي في البر والصلة باب ٥٦. ومالك في حسن الخلق حديث ١٥ ، وأحمد في المسند (٢ / ٢٤٥ ، ٧٢٨٧ ، ٣١٢ ، ٣٤٢ ، ٧٤٦٥ ٤٧٠ ، ٤٨٢ ، ٤٩٢ ، ٥٠٤ ، ٥١٧ ، ٥٣٩).