بسم الله الرّحمن الرّحيم
لا إله إلا الله عدة للقائه
الكلام في الإمامة والمفاضلة
قال الفقيه الإمام الأوحد أبو محمد علي بن أحمد بن حزم رضي الله عنه : اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة وجميع المعتزلة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة ، وأن الأمة فرض واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيهم أحكام الله ، ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول الله صلىاللهعليهوسلم حاشا النجدات (١) من الخوارج فإنهم قالوا : لا يلزم الناس فرض الإمامة وإنما عليهم أن يتعاطوا الحق بينهم ، وهذه فرقة ما نرى بقي منها أحد ، وهم المنسوبون إلى نجدة بن عامر الحنفي القائم باليمامة.
قال أبو محمد : وقول هذه الفرقة ساقط يكفي من الرد عليه وإبطاله إجماع كل من ذكرنا على بطلانه. والقرآن والسنة قد وردا بإيجاب الإمام ، من ذلك قول الله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [سورة النساء : ٥٩] مع أحاديث كثيرة صحاح في طاعة الأمة ، وإيجاب الإمامة. وأيضا فإن الله عزوجل يقول : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [سورة البقرة : ٢٨٦] فوجب اليقين بأن الله تعالى لا يكلف الناس ما ليس في بنيتهم واحتمالهم ، وقد علمنا بضرورة العقل وبديهته أن قيام الناس بما أوجبه الله تعالى من الأحكام عليهم في الأموال ، والجنايات ، والدماء ، والنكاح ، والطلاق ، وسائر الأحكام كلها ومنع الظالم ، وانصاف المظلوم ، وأخذ القصاص على
__________________
(١) النجدات : هم أتباع نجدة بن عامر الحنفي. وقد أقاموا على إمامة نجدة إلى أن اختلفوا عليه في أمور نقموها منه ، فلما اختلفوا عليه صاروا ثلاث فرق : فرقة صارت مع عطية بن الأسود الحنفي إلى سجستان وتبعهم خوارج سجستان ، ولهذا قيل لخوارج سجستان في ذلك الوقت «عطوية». وفرقة صارت مع أبي فديك حربا على نجدة ، وهم الذين قتلوا نجدة. وفرقة عذروا نجدة في أحداثه وأقاموا على إمامته. ومن بدع نجدة أنه أسقط حدّ الخمر ، ومنها أيضا أنه قال : من نظر نظرة صغيرة أو كذب كذبة صغيرة وأصرّ عليها فهو مشرك ، ومن زنى وسرق وشرب الخمر غير مصرّ عليه فهو مسلم إذا كان من موافقيه على دينه. انظر الفرق بين الفرق (ص ٥٨ ـ ٦٠).