الكلام على من قال بتكافؤ الأدلة
قال أبو محمد : ذهب قوم إلى القول بتكافؤ الأدلة ، ومعنى هذا أنه لا يمكن نصر مذهب على مذهب ، ولا تغليب مقالة على مقالة ، حتى يلوح الحق في الباطل ظاهرا بيّنا لا إشكال فيه ، بل دلائل كل مقالة فهي مكافئة لدلائل سائر المقالات. وقالوا : كل ما ثبت بالجدل فإنه بالجدل ينقض.
وانقسم هؤلاء أقساما ثلاثة فيما أنتجه لهم هذا الأصل ، فطائفة قالت بتكافؤ الأدلة جملة في كل ما اختلف فيه فلم تحقق الباري تعالى ولا أبطلته ، ولا أثبتت أزلية العالم ولا حدوثه ولا أثبتت النبوة ولا أبطلتها ، وهكذا في جميع الأديان والأهواء لم تثبت شيئا من ذلك ولا أبطلته ، إلا أنهم قالوا : إننا نوقن أن الحق في أحد هذه الأقوال بلا شك ، إلا أنه غير بين إلى أحد البتة ولا ظاهر ولا متميز أصلا.
قال أبو محمد : وكان إسماعيل بن يونس الأعور الطبيب اليهودي ، تدل أقواله ومناظراته دلالة صحيحة على أنه كان يذهب إلى هذا القول ، لاجتهاده في نص هذه المقالة ، وإن كان غير مصرح بأنه يعتقدها.
وقالت طائفة أخرى بتكافؤ الأدلة فيما دون الباري عزوجل ، فأثبتت الخالق تعالى وقطعت بأنه حق خالق لكل ما دونه بيقين لا شك فيه ، ثم لم تحقق النبوة ولا أبطلتها ، ولا حققت ملة دون ملة ولا أبطلتها ، لكن قالت : إن في هذه الأقوال قولا صحيحا بلا شك ، إلا أنه غير ظاهر إلى أحد ولا بيّن ، ولا كلفه الله تعالى أحدا. وكان إسماعيل بن القراد الطبيب اليهودي يذهب إلى هذا القول يقينا ، وقد ناظرنا عليه مصرحا به ، وكان يقول إذا دعوناه إلى الإسلام وحسمنا شكوكه ونقضنا علله : الانتقال في الملل تلاعب.
قال أبو محمد : وقد ذكر لنا عن قوم من أهل النظر والرئاسة في العلم هذا القول ، إلا أننا لم يثبت ذلك عندنا عنهم.
وطائفة قالت بتكافؤ الأدلة فيما دون الباري عزوجل ودون النبوة فقطعت أن الله عزوجل حق ، وأنه خالق الخلق ، وأن النبوة حق ، وأن محمدا رسول الله عليه الصلاة