إلى الإهمال ، وإذا بطل أصل شيء بيقين فبيقين قد بطل ما تولد منه ، وإن مال إلى أحد الأقوال الأخر فكلها مبطل للزوم اللذات وللإهمال ، فصح ضرورة بطلان هذه الطريقة وإن صار إلى تحقيق الدهرية ، كلم بما يكلّم به الدهرية مما قد أوضحناه والحمد لله.
وأما من قال بالتزام المرء دين سلفه والدين الذي نشأ عليه فخطأ لا خفاء به ، لأننا نقول لمن قال بوجوب ذلك ولزومه : أخبرنا من أوجبه ومن ألزمه؟ فالإيجاب والإلزام يقتضي فاعلا ضرورة ولا بد منها فمن ألزم ما ذكرتم من أن يلزم المرء دين سلفه أو الدين الذي نشأ عليه؟ الله ألزم ذلك جميع عباده أم غير الله تعالى أوجب ذلك إما إنسان وإما عقل وإما دليل؟ فإن قال قائل : ما ألزمنا ذلك إلا من دون الله تعالى ، قيل له : إن من دون الله تعالى معصيّ مخالف مرفوض لا حق له ولا طاعة إلا من أوجب الله تعالى له طاعة فيلزم طاعته لأن الله تعالى أوجبها لا لأنها واجبة بذاتها ، وليس من أوجب شيئا دون الله تعالى بأولى من آخر أبطل ما أوجب هذا وأوجب بطلانه ، وفي هذا كفاية لمن عقل ، ولا ينقاد للزوم من دون الله تعالى إلا جاهل مغرور كالبهيمة تقاد فتنقاد ، ولا فرق. وإن قال : إن العقل ألزم ذلك. قيل له : إنك تدعي الباطل على العقل إذ ادعيت عليه ما ليس في بنيته ، لأن العقل لا يوجب شيئا ، وإنما العقل قوة تميز النفس بها الأشياء على ما هي عليه فقط ، ويعرف ما صح وجوبه مما أوجبه من تلزم طاعته ، مما لم يصح وجوبه مما لم يوجبه من تجب طاعته ، ليس في العقل المراد به التمييز شيء غير هذا أصلا.
وأيضا : فإن قائل هذا مجاهر بالباطل ، لأنه لا يخلو أن يكون ، يزعم أن العقل أوجب ذلك ببديهته أو ببرهان راجع إلى البديهة من قرب أو من بعد ، فإن ادّعى أن العقل يوجب ذلك ببديهته كابر الحس ولم ينتفع بهذا أيضا ، لأنه لا يعجز عن التوقح بمثل هذه الدعوى أحد في أي شيء شاء. وإن ادّعى أنه أوجب ذلك ببرهان راجع إلى العقل كلف المجيء ، به ولا سبيل إليه أبدا. فإن قال قائل : إن الله عزوجل أوجب ذلك سئل الدليل على صحة هذه الدعوى ، التي أضافها إلى الباري عزوجل. وهذا لا سبيل له إليه لأن ما عند الله عزوجل من إلزام لا يعرف البتة إلا بوحي من عنده تعالى إلى رسول من خلقه يشهد له تعالى المعجزات ، وإما بما يضعه الله عزوجل في العقول ، وليس في شيء من هذين دليل على صحة دعوى هذا المدعي. وأما احتجاجه بأنه هو الدين الذي اختاره الله عزوجل لكل أحد وأنشأه عليه فلا حجة له في هذا ، لأننا لم نخالفه في أن هذا درب على هذا الدين ، وخلقه الله تعالى مع من درّبه عليه ، بل نقرّ بأن الله خلقه في مكان ما في صناعة ما وعلى معاش ما وعلى خلق ما ، وليس في