وأما الكم : فأن يستويا في أداء الفرض ، ويكون أحدهما أكثر نوافل ففضله هذا بكثرة عدد نوافله ، كما روي في رجلين أسلما وهاجرا أيام رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم استشهد أحدهما وعاش الآخر بعده سنة ثم مات على فراشه فرأى بعض أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم أحدهما في النوم وهو آخرهما موتا في أفضل من حال الشهيد فسأل عن ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال عليهالسلام كلاما معناه : «فأين صلاته وصيامه بعده».
ففضل أحدهما الآخر بالزيادة التي زادها عليه في عدد أعماله.
وأما الزمان فكمن عمل في صدر الإسلام أو في عام المجاعة ، أو في وقت نازلة بالمسلمين وعمل غيره بعد قوة الإسلام ، وفي زمن رخاء وأمن ، فإن الكلمة في أول الإسلام والتمرة والصبر حينئذ وركعة في ذلك الوقت تعدل اجتهاد الأزمان الطوال وجهادها ، وبذل الأموال الجسام بعد ذلك ، ولذلك قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «دعوا لي أصحابي فلو كان لأحدكم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه» (١).
فكان نصف مد شعير أو تمر في ذلك الوقت أفضل من جبل أحد ذهبا ننفقه نحن في سبيل الله عزوجل بعد ذلك ، قال الله تعالى : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) [سورة الحديد : ١٠].
قال أبو محمد : هذا في الصحابة فيما بينهم فكيف بمن بعدهم معهم رضي الله عنهم أجمعين؟
قال أبو محمد : وهذا يكذب قول أبي هاشم محمد بن علي الجبائي ، وقول محمد بن الطيب الباقلاني ، فإن الجبائي قال : جائز إن طال عمر امرئ أن يعمل ما يوازي عمل نبي من الأنبياء. وقال الباقلاني : جائز أن يكون في الناس من هو أفضل من رسول الله صلىاللهعليهوسلم من حين بعث بالنبوة إلى أن مات.
قال أبو محمد : وهذا كفر مجرد وردة صحيحة (٢) وخروج عن دين الإسلام بلا مرية وتكذيب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم في إخباره أنّا لا ندرك أحدا من أصحابه وفي إخباره عليهالسلام عن أصحابه رضي الله عنهم بأنه ليس مثلهم ، وأنه أتقاهم لله وأعلمهم بما
__________________
(١) رواه البخاري في فضائل الصحابة باب ٥. ومسلم في فضائل الصحابة حديث ٢٢١ و ٢٢٢. وأبو داود في السنّة باب ١٠. والترمذي في المناقب باب ٥٨. وابن ماجة في المقدمة باب ١١. وأحمد في المسند (٣ / ١١ ، ٥٤ ، ٦ / ٦).
(٢) كذا في الأصل. ولعلها : «صريحة».