قال أبو محمد : وبهذا قطعنا على أن كل عمل عمله الصحابة أنفسهم بعد موت النبي صلىاللهعليهوسلم لا يوازي شيئا من البر عمله ذلك الصاحب بنفسه مع النبي صلىاللهعليهوسلم ، ولا ما عمله غير ذلك الصاحب بعد النبي صلىاللهعليهوسلم ، ولو كان غير ما نقول لجاز أن يكون أنس ، وأبو أمامة الباهلي ، وعبد الله بن أبي أوفى ، وعبد الله بن بسر ، وعبد الله بن الحارث بن جزء ، وسهل بن سعد الساعدي ، رضي الله عنهم ، أفضل من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي عبيدة وزيد بن حارثة ، وجعفر بن أبي طالب ، ومصعب بن عمير ، وعبد الله بن جحش ، وسعد بن معاذ وعثمان بن مظعون ، وسائر السابقين من المهاجرين والأنصار المتقدمين ، رضي الله عنهم أجمعين ، لأن بعض أولئك عبدوا الله عزوجل بعد موت أولئك ، بعضهم بعد موت بعض بتسعين عاما فما بين ذلك إلى خمسين عاما وهذا ما لا يقوله أحد يعتد به.
قال أبو محمد : وبهذا قطعنا على أن من كان من الصحابة حين موت رسول الله صلىاللهعليهوسلم أفضل ممن أخّر منهم فإن ذلك المفضول لا يلحق درجة الفاضل له حينئذ أبدا وإن طال عمر المفضول وتعجل موت الفاضل.
وبهذا أيضا لم نقطع على فضل أحد منهم رضي الله عنهم حاشا من ورد فيه النص من النبي صلىاللهعليهوسلم على من مات منهم في حياة النبي صلىاللهعليهوسلم بل نقف في هؤلاء على ما نبينه بعد هذا إن شاء الله تعالى.
قال أبو محمد : فهذه وجوه الفضائل بالأعمال التي لا يفضل ذو عمل ذا عمل فيما سواها البتة ، ثم نتيجة هذه الوجوه كلها وثمرتها ونتيجة فضل الاختصاص المجرد دون عمل أيضا لا ثالث لهما البتة.
أحدهما : إيجاب الله تعالى تعظيم الفاضل في الدنيا على المفضول ، فهذا الوجه يشترك فيه كل فاضل بعمل أو باختصاص مجرد بلا عمل من عرض أو جماد أو حي ناطق أو غير ناطق ، قد أمرنا الله تعالى بتعظيم الكعبة والمساجد ، ويوم الجمعة والأشهر الحرم ، وشهر رمضان ، وناقة صالح ، وإبراهيم ابن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وذكر الله تعالى الملائكة والنبيين على جميعهم صلوات الله وسلامه ، والصحابة أكثر من تعظيمنا وتوقيرنا غير ما ذكرنا ، ومن فضل من المواضع والأيام والنوق والأطفال والكلام والناس ، هذا ما لا شك فيه وهذه خاصة كل فاضل لا يخلو منها فاضل أصلا ولا يكون البتة إلا الفاضل.
والوجه الثاني هو إيجاب الله تعالى للفاضل درجة في الجنة أعلى من درجة المفضول ، إذ لا يجوز عند أحد من خلق الله تعالى كلهم أن يأمر بإجلال المفضول