أكثر من إجلال الفاضل ، ولا أن يكون المفضول أعلى درجة في الجنة من الفاضل ، ولو جاز ذلك لبطل معنى الفضل جملة ، ولكان لفظا لا حقيقة له ولا معنى تحته ، وهذا الوجه الثاني الذي هو علو الدرجة في الجنة هو خاصة كل فاضل بعمل فقط من الملائكة ، والإنس ، والجن. وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد : فكل مأمور بتعظيمه فاضل ، وكل فاضل فمأمور بتعظيمه وليس الإحسان والبر والتوقير والتذلل المفترض في الأبوين الكافرين من التعظيم في شيء ، فقد يحسن المرء إلى من لا يعظم ولا يهين كإحسان المرء إلى جاره ، وغلامه ، وأجيره ، ولا يكون ذلك تعظيما ، وقد يبر الإنسان جاره والشيخ من أسرته ولا يسمى ذلك تعظيما ، وقد يوقر الإنسان من يخاف ضره ، ولا يسمى ذلك تعظيما ، وقد يتذلل المرء للمتسلط الظالم ولا يسمى ذلك تعظيما ، وفرض على كل مسلم البراءة من أبويه الكافرين وعداوتهما في الله عزوجل. وقال الله عزوجل : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) [سورة المجادلة : ٢٢].
وقال عزوجل : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) [سورة الممتحنة : ٤].
وقال عزوجل : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) [سورة التوبة : ١١٤].
فقد صح بيقين أنا ما وجب للأبوين الكافرين من بر وإحسان وتذلل ليس هو التعظيم الواجب لمن فضله الله عزوجل ، لأن التعظيم الواجب لمن فضله الله عزوجل هو مودة في الله ومحبة فيه وولاية له ، وأما البر الواجب للأبوين الكافرين ، والتذلل لهما ، والإحسان إليهما ، فكل ذلك مرتبط بالعداوة لله تعالى وللبراءة منه وإسقاط المودة كما قال الله تعالى في نص القرآن وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد : وقد يكون دخول الجنة اختصاصا مجردا دون عمل وذلك للأطفال كما ذكرنا قبل. فإذ (١) قد صح ما ذكرنا قبل يقينا بلا خلاف من أحد في شيء منه فبيقين ندري أنه لا تعظيم يستحقه أحد من الناس في الدنيا بإيجاب الله
__________________
(١) كانت في الأصل : «فإذا» والصواب ما أثبتناه.