تعالى ذلك علينا بعد التعظيم الواجب علينا للأنبياء عليهمالسلام أوجب ولا أوكد مما ألزمناه الله تعالى من التعظيم الواجب علينا لنساء النبي صلىاللهعليهوسلم بقول الله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) [سورة الأحزاب : ٦] فأوجب الله لهن حكم الأمومة على كل مسلم هذا سوى حق إعظامهن بالصحبة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فلهن رضي الله تعالى عنهن مع ذلك حق الصحبة له كسائر الصحابة ، إلا أنّ لهن من الاختصاص في الصحبة ووكيد الملازمة له عليهالسلام ، ولطيف المنزلة عنده عليهالسلام ، والقرب منه والحظوة لديه ، ما ليس لأحد من الصحابة رضي الله عنهم ، فهن أعلى درجة في الصحبة من جميع الصحابة ، ثم فضل سائر الصحابة بحق زائد وهو حق الأمومة الواجبة لهن كلهن بنص القرآن ، فوجدنا الحق الذي به استحق الصحابة الفضل قد شاركنهم فيه وفضلنهم فيه أيضا ، ثم فضلنهم بحق زائد وهو حق الأمومية ، ثم وجدناهن لا عمل من الصلاة والصدقة والصيام والحج وحضور الجهاد يسبق فيه صاحب من الصحابة رضي الله عنهم إلا ولهن في ذلك مثل ما لغيرهم من الصحابة فقد كن يجهدن أنفسهن في ضيق عيشهن على الكد في العمل بالصدقة والعتق ، ويشهدن الجهاد معه عليهالسلام ، وفي هذا كفاية بينة في أنهن أفضل من كل صاحب ، ثم لا شك عند كل مسلم وبشهادة نص القرآن إذ خيرهن الله عزوجل بين الدنيا وبين الدار الآخرة والله ورسوله فاخترن الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوسلم والدار الآخرة ، فهن أزواجه في الآخرة بيقين ، فإذ هن كذلك فهن معه صلىاللهعليهوسلم بلا شك في درجة واحدة في الجنة في قصوره وعلى سرره ، إذ لا يمكن البتة أن يحال بينه وبينهن في الجنة ولا أن ينحط عليهالسلام إلى درجة يسفل فيها عن أحد من الصحابة ، هذا ما لا يظنه مسلم ، فإذ لا شك في حصولهن على هذه المنزلة فبالنص والإجماع علمنا أنهن لم يؤتين ذلك اختصاصا مجردا دون عمل بل باستحقاقهن لذلك باختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة ، إذ أمره الله عزوجل أن يخيرهن فقد حصل لهن أفضل الاختصاص أولا بأن يخيرهن الله عزوجل لنبيه صلىاللهعليهوسلم وهو أفضل الناس ثم قد حصل لهن أفضل الأعمال من جميع الوجوه السبعة التي قدمنا آنفا والتي لا يكون التفاضل إلا بها في الأعمال خاصة ، ثم قد حصل لهن على ذلك أوكد التعظيم في الدنيا ، ثم قد حصل لهن أرفع الدرجات في الآخرة ، فلا وجه من وجوه الفضل إلا ولهن فيه أعلى الحظوظ كلها بلا شك. ومارية أم إبراهيم داخلة معهن في ذلك لأنها معه عليهالسلام في الجنة ، ومع ابنها منه بلا شك ، فإذ قد ثبت كل ذلك على رغم الآبي فقد وجب ضرورة أن يشهد لهن كلهن بأنهن أفضل من جميع الخلق كله بعد الملائكة والنبيين عليهمالسلام.