اشتركا فيه؟ ألا ترى أنه لا يقال : أيهما أفضل : رمضان ، أو ناقة صالح؟ ولا أيهما أفضل : الكعبة أو الصلاة؟ بل نقول أيهما أفضل مكة أو المدينة؟ وأيهما أفضل رمضان أو ذو الحجة؟ وأيهما أفضل الزكاة أم الصلاة؟ وأيهما أفضل ناقة صالح أو ناقة غيره من الأنبياء؟ فقد صح أن التفاضل إنما يكون في وجه اشترك فيه المسئول عنهما فسبق أحدهما فيه ، فاستحق أن يكون أفضل ، وفضل إبراهيم ليس على عمل أصلا ، وإنما هو اختصاص مجرد وإكرام لأبيه صلىاللهعليهوسلم ، وأما نساؤه عليهالسلام فكونهن وكون سائر أصحابه عليهمالسلام في الجنة إنما هو جزاء لهن ولهم على أعمالهن وأعمالهم ، قال الله تعالى : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [سورة الأحقاف : ١٤].
وقال بعد ذكر الصحابة : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [سورة الفتح : ٢٩].
وقال تعالى مخاطبا لنسائه عليهالسلام : (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ) [سورة الأحزاب : ٣١] وهذا نص قولنا ولله الحمد.
وقال تعالى : (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [سورة الزخرف : ٧٢]
وقال تعالى : (غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ) [سورة الزمر : ٢٠].
وقال تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى) [سورة النجم : ٣٩ ـ ٤١].
فإن قال قائل : فكيف تقولون في قوله عليهالسلام : «لن يدخل الجنّة أحد بعمله» قيل : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : «ولا أنا إلّا أن يتغمّدني الله برحمة منه وفضل» (١) قلنا : نعم هذا حق موافق للآيات المذكورة.
وهكذا نقول إنه لو عمل الإنسان دهره كله ما استحق على الله تعالى شيئا لأنه لا يجب على الله تعالى شيء إذ لا موجب للأشياء الواجبة غيره تعالى لأنه المبتدي لكل ما في العالم والخالق له فلولا أن الله تعالى رحم عباده فحكم بأن طاعتهم له
__________________
(١) رواه من طرق : البخاري في الرقاق باب ١٨ ، والمرضى باب ١٩. ومسلم في صفات المنافقين حديث ٧١ ، ٧٢ ، ٧٣ ، ٧٥ ، ٧٦ ، ٧٨. وابن ماجة في الزهد باب ٢٠. والدارمي في الرقاق باب ٢٤. وأحمد في المسند (٢ / ٢٣٥ ، ٢٥٦ ، ٢٦٤ ، ٣١٩ ، ٣٢٦ ، ٣٤٤ ، ٣٨٦ ، ٣٩٠ ، ٤٥٢ ، ٤٦٦ ، ٤٦٩ ، ٤٧٣ ، ٤٨٢ ، ٤٨٨ ، ٤٩٥ ، ٥٠٢ ، ٥٠٩ ، ٥١٤ ، ٥١٩ ، ٥٢٤ ، ٥٣٧ ، ٣ / ٥٢ ، ٣٣٧ ، ٣٦٢ ، ٦ / ١٢٥).