يعطيهم بها الجنة لما وجب ذلك عليه فصح أنه لا يدخل أحد الجنة بعمله مجردا دون رحمة الله تعالى لكن يدخلها برحمة الله تعالى التي جعل بها الجنة جزاء على أعمالهم التي أطاعوه بها ، فاتفقت الآيات مع هذا الحديث والحمد لله رب العالمين.
قال أبو محمد : فإذ لا شك في هذا كله فقد امتنع يقينا أن يجازى بالأفضل من كان أنقص فضلا ، وأن يجازى بالأنقص من كان أتم فضلا ، وصح ضرورة أنه لا يجزى أحد من أهل الأعمال في الجنة إلا بما استحقه برحمة الله تعالى جزاء على أعماله ، وأما من لم تكن الجنة له جزاء على عمله فلله تعالى أن يتفضل على من شاء بما شاء وجائز أن يقدم على ذوي الأعمال الرفيعة.
قال تعالى : (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) [سورة البقرة : ١٠٥ ، وآل عمران : ٧٤].
وقال تعالى : (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) [سورة الحديد : ٢١].
فلا يجوز خلاف هذه النصوص لأحد ، من خالفها كذب القرآن ، ولو لا هذه النصوص لما أبعدنا أن يعذب الله تعالى على الطاعة له ، وأن ينعم على معصيته ، وأن يجازي الأفضل بالأنقص ، والأنقص بالأفضل ، لأن كل شيء ملكه وخلقه ، لا مالك لشيء سواه ولا معقب لحكمه ، ولا حق لأحد عليه ، لكن قد أمنا ذلك كله بإخبار الله تعالى أنه لا يجازي ذا عمل إلا بعمله ، وأنه يتفضل على من يشاء ، فلزم الإقرار بكل ذلك ، وبالله تعالى التوفيق.
فلو قال قائل : أيما أفضل في الجنة وأعلى قدرا مكان إبراهيم ابن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أو مكان أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم؟ قلنا : مكان إبراهيم أعلى بلا شك ، ولكن ذلك المكان اختصاص مجرد لإبراهيم المذكور ، لم يستحقه بعمل ولا استحق أيضا أن يقصر به عنه ، ومواضيع هؤلاء المذكورين جزاء لهم على قدر فضلهم وسوابقهم ، وكذلك نساؤه صلىاللهعليهوسلم مكانهن جزاء لهن على قدر فضلهن وسوابقهن ، فلا يقال إن إبراهيم ابن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أفضل من أبي بكر أو عمر ، ولا يقال أيضا إن أبا بكر وعمر أفضل من إبراهيم ، والمفاضلة واقعة بين الصحابة وبين نساء رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأن أعمالهم وسوابقهم لها مراتب متناسبة بلا شك.
فإن قال قائل : إنهن لو لا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما حصلن تلك الدرجة ، وإنما تلك الدرجة له عليهالسلام.
قلنا وبالله تعالى التوفيق :
نعم ولا شك أيضا في أن جميع الصحابة لو لا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما حصلوا أيضا