على الدرج التي لهم فيها ، فإنما هي إذا على قولكم لرسول الله صلىاللهعليهوسلم كما قلتم ولا فرق ، وبقي الفضل والتقدم لهن كما كان في كل ذلك ولا فرق.
قال أبو محمد : وأما فضلهن على بنات النبي صلىاللهعليهوسلم فبين بنص القرآن لا شك فيه. قال الله عزوجل : (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) [سورة الأحزاب : ٣٢] فهذا بيان قاطع لا يسع أحدا جهله. فإن عارضنا معارض بقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «خير نسائها فاطمة بنت محمّد» (١).
قلنا له وبالله تعالى التوفيق : في هذا الحديث بيان جلي لما قلنا وهو أنه عليهالسلام لم يقل خير النساء فاطمة ، وإنما قال : خير نسائها فخص ولم يعم ، وتفضيل الله عزوجل لنساء النبي صلىاللهعليهوسلم على النساء عموم لا خصوص ، لا يجوز أن يستثنى منه أحد إلا من استثناه نص آخر ، فصح أنه عليهالسلام إنما فضل فاطمة على نساء المؤمنين بعد نسائه صلىاللهعليهوسلم فاتفقت الآية مع الحديث.
وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «فضل عائشة على النّساء كفضل الثّريد على سائر الطّعام» (٢) فهذا أيضا عموم موافق للآية ، ووجب أن يستثنى ما خصه صلىاللهعليهوسلم بقوله : نسائها من هذا العموم فصح أن نساءه عليهالسلام أفضل النساء جملة حاشا اللواتي خصهن الله تعالى بالنبوة كأم إسحاق ، وأم موسى ، وأم عيسى ، عليهمالسلام ، وقد نص الله تعالى هذا بقوله الصادق : (يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) [سورة آل عمران : ٤٢. ٤٣] ولا خلاف بين المسلمين في أن جميع الأنبياء كل نبي منهم أفضل ممن ليس بنبي من سائر الناس ، ومن خالف هذا فقد كفر. كذلك أخبر عليهالسلام عن فاطمة أنها سيدة نساء المؤمنين ، ولم يدخل نفسه صلىاللهعليهوسلم في هذه الجملة بل أخبر عمن سواه. وبرهان آخر وهو قول الله تعالى مخاطبا لهن : (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ) [سورة الأحزاب : ٣١].
__________________
(١) رواه الترمذي في مناقب خديجة أم المؤمنين (حديث رقم ٣٨٨٨) بلفظ : «حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلىاللهعليهوسلم وآسية امرأة فرعون». ورواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (٤ / ٣٩٢) بلفظ : «خير نسائكم فاطمة بنت محمد».
(٢) رواه البخاري في الأطعمة باب ٢٥ و ٣٠ ، وفضائل الصحابة باب ٣٠ ، وأحاديث الأنبياء باب ٣٢ و ٤٦. ومسلم في فضائل الصحابة حديث ٧٠ و ٨٩. والترمذي في الأطعمة باب ٣١ ، والمناقب باب ٦٢. والنسائي في النساء باب ٣. وابن ماجة في الأطعمة باب ١٤. والدارمي في الأطعمة باب ٢٩. وأحمد في المسند (٣ / ١٥٦ ، ٢٦٤ ، ٣٩٤٤ ، ٤٠٩ ، ٦ / ١٥٩).