قال أبو محمد : فهذا فضل ظاهر وبيان لائح في أنهن أفضل من جميع الصحابة رضي الله عنهم ، وصح بهذه الآية صحة متيقنة لا يمتري بها مسلم أن أبا بكر ، وعمر ، وعثمان وعلي ، وفاطمة ، وسائر الصحابة رضي الله عنهم إذا عمل الواحد منهم عملا يستحق عليه مقدارا ما من الأجر ، وعملت امرأة من نساء النبي صلىاللهعليهوسلم مثل ذلك العمل بعينه كان لها مثلا ذلك المقدار من الأجر ، فإذا كان نصيب الصحابي وفاطمة رضي الله عنهم يفي بأكثر من مثل جبل أحد ذهبا ممن بعدهم كان للمرأة من نسائه عليهالسلام في نصيبها أكثر من مثلي جبلين اثنين مثل جبل أحد ذهبا ، وهذه فضيلة ليست لأحد بعد الأنبياء عليهمالسلام إلا لهن ، وقد صح عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه : يوعك كوعك رجلين من أصحابه لأنّ له على ذلك كفلين من الأجر (١).
قال أبو محمد : وليس بعد هذا في بيان فضلهن على كل أحد من الصحابة منكر إلا من أعمى الله قلبه عن الحق ، ونعوذ بالله من الخذلان.
قال أبو محمد : وقد اعترض علينا بعض أصحابنا في هذا المكان بقول الله تعالى عن أهل الكتاب إذ آمنوا : (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا) [سورة القصص : ٥٤] قال : فيلزم أنهم أفضل منا. فقلت له : إن هذه الآية والخبر الذي فيه ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين. فذكر مؤمن أهل الكتاب والعبد الناصح ومعتق أمته ثم يتزوجها ، فيهما بيان الوجه الذي أجروا به مرتين وهو الإيمان بالنبي صلىاللهعليهوسلم وبالنبي الأول المبعوث بالكتاب الأول ونحن نؤمن بهذا كله كما آمنوا فنحن شركاء ذلك المؤمن منهم في ذينك الإيمانين ، وكذلك العبد الناصح يؤجر لطاعة سيده أجرا ولطاعة الله أجرا ثانيا ، وكذلك معتق أمته ثم يتزوجها يؤجر على عتقه أجرا ثم على نكاحه إذا أراد به وجه الله تعالى أجرا ثانيا ، فصح بالنص يقينا أن هؤلاء إنما يؤتون أجرهم مرتين في خاص من أعمالهم لا في جميع أعمالهم وليس في هذا ما يمنع من أن يؤجر غيرهم في غير هذه الأعمال أكثر من أجور هؤلاء ، وأيضا فإنما يضاعف لهؤلاء على ما عمله أهل طبقتهم وليست المضاعفة لأجور نساء النبي صلىاللهعليهوسلم مرتين من هذا في ورد ولا صدر لأن المضاعفة لهن إنما هي في كل عمل عملته بنص القرآن إذ يقول تعالى : (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ) [سورة الأحزاب : ٣١] فكل عمل عمله صاحب من الصحابة له فيه أجر ، ولكل امرأة منهن في مثل ذلك العمل
__________________
(١) رواه البخاري في المرضى باب ٣ و ١٣ و ١٦. ومسلم في البر والصلة والآداب حديث ٤٥. والدارمي في الرقاق باب ٥٧. وأحمد في المسند (١ / ٣٨١).