إلا من كان مثله ، فهذا هو الزهد في المال واللذات ، ولقد تلا أبا بكر عمر رضي الله عنهما في هذا الزهد فكان فوق علي في ذلك يعني في إعراضه عن المال واللذات ، وأما علي رضي الله عنه فتوسع في هذا الباب من حله ومات عن أربع زوجات وتسع عشرة أم ولد ، سوى الخدم والعبيد ، وتوفي عن أربعة وعشرين ولدا من ذكر وأنثى ، وترك لهم من العقار والضياع ما كانوا به من أغنياء قومهم ومياسيرهم هذا أمر مشهور لا يقدر على إنكاره من له أقل علم بالأخبار والآثار ، ومن جملة عقاره التي تصدق بها كانت تغل ألف وسق تمرا سوى زرعها فأين هذا من هذا؟؟؟
وأما حب الولد والميل إليهم وإلى الحاشية فالأمر في هذا أبين من أن يخفى على أحد له أقل علم بالأخبار ، فقد كان لأبي بكر رضي الله عنه من القرابة والولد مثل طلحة بن عبيد الله من المهاجرين الأولين والسابقين من ذوي الفضائل العظيمة في كل باب من أبواب الفضل في الإسلام ، ومثل ابنه عبد الرحمن بن أبي بكر وله مع النبي صلىاللهعليهوسلم صحبة قديمة وهجرة سابقة ، وفضل ظاهر ، فما استعمل أبو بكر رضي الله عنه منهم أحدا على شيء من الجهات ، وهي بلاد اليمن كلها على سعتها وكثرة أعمالها ، وعمان وحضر موت والبحرين واليمامة والطائف ومكة وخيبر ، وسائر أعمال الحجاز ، ولو استعملهم لكانوا لذلك أهلا ، ولكن خشي المحاباة وتوقع أن يميله إليهم شيء من الهوى ، ثم جرى عمر على مجراه في ذلك فلم يستعمل من بني عدي بن كعب أحدا على سعة البلاد وكثرتها ، وقد فتح الشام ومصر وجميع مملكة الفرس إلى خراسان ، إلا النعمان بن عدي وحده على ميسان ، ثم أسرع عزله وفيهم من الهجرة ما ليس في شيء من أفخاذ الأولين ذوي السوابق وأبي الجهم بن حذيفة وخارجة بن حذافة ومعمر بن عبد الله وابنه عبد الله بن عمر ، ثم لم يستخلف أبو بكر ابنه عبد الرحمن وهو صاحب من الصحابة ، ولا استعمل عمر ابنه عبد الله على الخلافة وهو من فضلاء الصحابة وخيارهم وقد رضي به الناس وكان لذلك أهلا ، ولو استخلفه لما اختلف عليه أحد فما فعل ، ووجدنا عليا رضي الله عنه إذ ولي قد استعمل أقاربه عبد الملك بن عباس على البصرة ، وعبيد الله بن العباس على اليمن ، وخثعم ومعبدا بني العباس على مكة والمدينة وجعدة بن نميرة وهو ابن أخته أم هاني بنت أبي طالب على خراسان ، ومحمد بن أبي بكر ، وهو ابن امرأته وأخو ولده على مصر ، ورضي ببيعة الناس للحسن ابنه بالخلافة ، ولسنا ننكر استحقاق الحسن للخلافة ولا استحقاق عبد الله بن العباس للخلافة ، فكيف إمارة البصرة؟ لكنا نقول إن من زهد في الخلافة لولد مثل عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر والناس متفقون عليه ، وفي تأمير مثل طلحة بن عبيد الله