(سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ) [سورة القصص : ٣٥].
ثم قال تعالى عن السحرة أنهم قالوا لموسى : (إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) [سورة طه : ٦٦] فهذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكليمه قد كان أخبره الله عزوجل بأن فرعون وملأه لا يصلون إليه ، وأن موسى ومن اتبعه هو الغالب ، ثم أوجس في نفسه خيفة بعد ذلك إذ رأى أمر السحرة حتى أوحى الله عزوجل إليه لا تخف ، فهذا أمر أشد من أمر أبي بكر. وإذا لزم ما يقول هؤلاء الفساق أبا بكر وحاشا لله أن يلزمه من أن حزنه لو كان رضا لما نهاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم لزم أشد منه لموسى عليهالسلام وأن إيجاسه الخيفة في نفسه لو كان رضا لله تعالى ما نهاه الله تعالى عنه ومعاذ الله من هذا ، بل إيجاس موسى الخيفة في نفسه لم يكن إلا نسيان الوعد المتقدم ، وحزن أبي بكر رضي الله عنه رضا لله تعالى قبل أن ينهى عنه ، ولم يكن تقدم إليه نهي عن الحزن ، وأما محمد صلىاللهعليهوسلم فإن الله عزوجل قال : (وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ) [سورة لقمان : ٢٣].
وقال تعالى : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) [سورة النحل : ١٢٧].
وقال تعالى : (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) [سورة يونس : ٦٥].
وقال تعالى : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) [سورة فاطر : ٨].
وقال تعالى : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) [سورة الكهف : ٦].
ووجدناه عزوجل قد قال : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ) [سورة الأنعام : ٣٣].
وقاله أيضا في الأنعام. فهذا الله تعالى أخبرنا أنه يعلم أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحزنه الذي يقولون ، ونهاه عزوجل عن ذلك نصا ، فيلزمهم في حزن رسول الله صلىاللهعليهوسلم الذي نهاه الله تعالى عنه كالذي أرادوا في حزن أبي بكر سواء سواء. ونعم إن حزن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بما كانوا يقولون من الكفر كان طاعة لله تعالى قبل أن ينهاه الله عزوجل وما حزن عليهالسلام بعد أن نهاه ربه تعالى عن الحزن ، كما كان حزن أبي بكر طاعة لله عزوجل قبل أن ينهاه عزوجل عن الحزن ، وما حزن أبو بكر قط بعد أنهاه عليهالسلام عن الحزن ، فكيف وقد يمكن أن يكون أبو بكر لم يحزن يومئذ ..؟!! لكن نهاه عليهالسلام عن أن يكون منه حزن كما قال تعالى لنبيه عليهالسلام : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) [سورة الإنسان : ٢٤].