مسعود ، وسعد وزيد بن حارثة ، وأبي عبيدة وبلال ، وسعيد بن زيد وعمار بن ياسر ، وأبي سلمة وعبد الله بن جحش وغيرهم من نظرائهم. ثم بعد هؤلاء أهل العقبة ، ثم أهل بدر ، ثم أهل المشاهد كلها مشهدا مشهدا. فأهل كل مشهد أفضل من أهل المشهد الذي بعده حتى يبلغ الأمر إلى أهل الحديبية ، فكل من تقدم ذكره من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم إلى تمام بيعة الرضوان فإننا نقطع على غيب قلوبهم وأنهم كلهم مؤمنون صالحون ماتوا كلهم على الإيمان والهدى والبر ، كلهم من أهل الجنة لا يلج أحد منهم النار البتة ، لقول الله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [سورة الواقعة : ٩ ، ١٠]. ولقوله عزوجل : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ) [سورة الفتح : ١٨].
قال أبو محمد : فمن أخبرنا أن الله عزوجل أنه علم ما في قلوبهم رضي الله عنهم ، وأنزل السكينة عليهم ، فلا يحل لأحد التوقف في أمرهم ، ولا الشك فيهم البتة ، ولقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة إلا صاحب الجمل الأحمر» (١) ولإخباره عليهالسلام أنه لا يدخل النار أحد شهد بدرا. ثم نقطع على أن كل من صحب رسول الله صلىاللهعليهوسلم بنية صادقة ولو ساعة فإنه من أهل الجنة لا يدخل النار لتعذيب إلا أنهم لا يلحقون بمن أسلم قبل الفتح وذلك لقول الله عزوجل : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) [سورة الحديد : ١٠].
وقال تعالى : (وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ) [سورة الروم : ٦].
وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) [سورة الأنبياء : ١٠١ ـ ١٠٣] فصح بالضرورة أن كل من أنفق من قبل الفتح وقاتل فهو مقطوع على غيبه لتفضيل الله تعالى إياهم ، والله
__________________
(١) رواه مسلم في صفات المنافقين حديث ١٢ ، والترمذي في المناقب باب ٥٨ ، والدارمي في الصلاة باب ٢٢٢. وتمام الحديث عند مسلم : عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من يصعد الثنيّة ثنيّة المرار ، فإنه يحط عنه ما حطّ عن بني إسرائيل» قال : فكان أول من صعدها خيلنا خيل بني الخزرج ، ثم تتامّ الناس. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «وكلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر» فأتيناه فقلنا له : تعالى يستغفر لك رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فقال : والله لأن أجد ضالتي أحبّ إليّ من أن يستغفر لي صاحبكم» قال : وكان رجل ينشد ضالّة له.