تعالى لا يفضل إلا مؤمنا فاضلا ، وأما من أنفق بعد الفتح وقاتل فقد كان فيهم منافقون لم يعلمهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فكيف نحن. قال الله تعالى : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ) [سورة التوبة : ١٠١].
قال أبو محمد : فلهذا لم نقطع على كل امرئ منهم بعينه لكن نقول : كل من لم يكن منهم من المنافقين فهو من أهل الجنة يقينا ، لأنه قد وعدهم الله تعالى الحسنى كلهم ، وأخبر أنه لا يخلف وعده ، وأن من سبقت له الحسنى فهو مبعد من النار لا يسمع حسيسها ، ولا يحزنه الفزع الأكبر ، وهو فيما اشتهى خالد. وهذا نص قولنا والحمد لله رب العالمين.
قال أبو محمد : لقد خاب وخسر من رد قول ربه عزوجل أنه رضي عن المبايعين تحت الشجرة وعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وقد علم كل أحد له أدنى علم أن أبا بكر ، وعمر وعثمان ، وعليا وطلحة ، والزبير ، وعمارا ، والمغيرة بن شعبة ، رضي الله عنهم من أهل هذه الصفة ، والخوارج ، والروافض ، قد انتظمت الطائفتان الملعونتان البراءة منهم ، خلافا لله عزوجل وعنادا له. ونعوذ بالله من الخذلان.
قال أبو محمد : فهذا قولنا في الصحابة رضي الله عنهم فأما التابعون ومن بعدهم فلا نقطع على عينهم واحدا واحدا إلا من بان منه احتمال المشقة في الصبر للدين ، ورفض الدنيا لغير عرض استعجله ، إلا أننا لا ندري على ما ذا مات ، وإن بلغنا الغاية في تعظيمهم ، وتوقيرهم ، والدعاء بالمغفرة والرحمة والرضوان لهم ، لكن نتولاهم جملة قطعا ، ونتولى كل إنسان منهم بظاهره ، ولا نقطع على أحد منهم بجنة ولا نار ، لكن نرجو لهم ونخاف عليهم ، إذ لا نص في إنسان منهم بعينه ولا يحل الإخبار عن الله عزوجل إلا بنص من عنده. لكن نقول كما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «خيركم القرن الذي بعثت فيه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ..» (١) ومعنى هذا الحديث إنما هو أن كل قرن من هذه القرون التي ذكر عليهالسلام أكثر فضلا بالجملة من القرن الذي بعده ، لا يجوز غير هذا البتة. وبرهان ذلك أنه قد كان في عصر التابعين من هو أفسق الفاسقين كمسلم بن عقبة المري وحبيش بن دلجة القيني ، والحجاج بن يوسف الثقفي
__________________
(١) رواه البخاري في الشهادات باب ٩ ، وفضائل الصحابة باب ١. والترمذي في الفتن باب ٤٥ ، والشهادات باب ٤ ، والمناقب باب ٥٦. وابن ماجة في الأحكام باب ٢٧. وأحمد في المسند (١ / ٢٧٨).