إمرته للمؤمنين ، فهو الإمام بحقّ ، وما ظهر منه قط إلى أن مات رضي الله عنه شيء يوجب نقض بيعته ، وما ظهر منه قط إلا العدل ، والجد والبر ، والتقوى والخير ، كما لو سبقت بيعة طلحة ، أو الزبير ، أو سعد ، أو سعيد ، أو من يستحق الإمامة لكانت أيضا بيعة حق لازمة لعلي ولغيره ، ولا فرق ، فعلي مصيب في الدعاء إلى نفسه وإلى الدخول تحت إمامته وهذا برهان لا محيد عنه ، وأما أم المؤمنين ، والزبير وطلحة رضي الله عنهم ومن كان معهم ، فما أبطلوا قط إمامة علي ولا طعنوا فيها ولا ذكروا فيه جرحة تحطه عن الإمامة ، ولا أحدثوا إمامة أخرى ولا جددوا بيعة لغيره هذا ما لا يقدر أن يدعيه أحد بوجه من الوجوه ، بل يقطع كل ذي علم على أن كل ذلك لم يكن ، فإذ لا شك في كل هذا فقد صح صحة ضرورية لا إشكال فيها ، أنهم لم يمضوا إلى البصرة لحرب علي ولا خلافا عليه ولا نقضا لبيعته ، ولو أرادوا ذلك لأحدثوا بيعة غير بيعته هذا ما لا يشك فيه أحد لأحد ولا ينكره أحد ، فصح أنهم إنما نهضوا إلى البصرة لسد الفتق الحادث في الإسلام من قتل أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه ظلما ، ولم يكن نهوض عليّ إلى البصرة لقتالهم لكن موافقا لهم على ذلك ليقوى بهم وتجتمع الكلمة على قتلة عثمان رضي الله عنه ، وبرهان ذلك أنهم اجتمعوا ولم يقتتلوا ولا تحاربوا ، فلما كان الليل عرف قتلة عثمان أن الإراغة والتدبير عليهم فبيتوا عسكر طلحة والزبير ، وبذلوا السيف فيهم فدفع القوم عن أنفسهم ، فردعوا حتى خالطوا عسكر علي ، فدفع أهله عن أنفسهم ، وكل طائفة تظن ولا تشك أن الأخرى بدأتها بالقتال فاختلط الأمر اختلاطا لم يقدر أحد على أكثر من الدفاع عن نفسه ، والفسقة من قتلة عثمان ـ لعنهم الله ـ لا يفترون من شب الحرب وإضرامها ، فكلتا الطائفتين مصيبة في غرضها ، ومقصدها ، مدافعة عن نفسها ، ورجع الزبير وترك الحرب بحالها وأتى طلحة سهم عائر وهو قائم لا يدري حقيقة ذلك الاختلاط ، فصادف جرحا في ساقه كان أصابه يوم أحد بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوسلم فانصرف ومات من وقته رضي الله عنه ، وقتل الزبير رضي الله عنه بوادي السباع ، على أقل من يوم من البصرة ، فهكذا كان الأمر.
وكذلك كان قتل عثمان رضي الله عنه إنما حاصره المصريون ومن لف لفهم يريدونه على إسلام مروان إليهم ، وهو رضي الله عنه يأبى من ذلك ، ويعلم أنه إن أسلمه قتل دون تثبت ، فهم على ذلك ، وجماعات من الصحابة فيهم الحسن ، والحسين ، أبناء علي ، وعبد الله بن الزبير ، ومحمد بن طلحة ، وأبو هريرة وعبد الله بن عمر ، في نحو سبعمائة من الصحابة وغيرهم معه في الدار يحمونه ، وينفتلون إلى القتال فيردعهم تثبتا إلى أن تسوروا عليه من خوخة في دار ابن حزم الأنصاري جاره غيلة فقتلوه ، ولا خبر من ذلك عند أحد.