لعن الله من قتله ، والراضين بقتله ، فما رضي أحد منهم قط بقتله ، ولا علموا أنه يراد قتله ، لأنه لم يأت منه شيء يبيح الدم الحرام ، وأما قول من قال إنه رضي الله عنه أقام مطروحا على مزبلة ثلاثة أيام فكذب بحث ، وإفك موضوع ، وتوليد من لا حياء في وجهه ، بل قتل عشية ودفن من ليلته رضي الله عنه ، شهد دفنه طائفة من الصحابة وهم جبير بن مطعم وأبو الجهم بن حذيفة وعبد الله بن الزبير ومكرم بن سياد وجماعة غيرهم ، هذا ما لا يتمارى فيه أحد ممن له علم بالأخبار ، ولقد أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم برمي أجساد قتلى الكفار من قريش يوم بدر في القليب ، وألقى التراب عليهم وهم شر خلق الله تعالى ، وأمر عليهالسلام أن يحفر أخاديد لقتلى يهود قريظة ، وهم شر من وارته الأرض ، فمواراة المؤمن والكافر فرض على المسلمين ، فكيف يجوز لذي حياء في وجهه أن ينسب إلى علي وهو الإمام ومن بالمدينة من الصحابة أنهم تركوا رجلا ميتا ملقى بين أظهرهم على مزبلة ثلاثة أيام لا يوارونه ولا يبالى مؤمنا كان أو كافرا أو فاسقا؟ ولكن الله يأبى إلا أن يفضح الكذابين بألسنتهم ولو فعل هذا علي لكانت جرحة فيه لأنه لا يخلو أن يكون عثمان كافرا ، أو فاسقا أو مؤمنا ، فإن كان كافرا أو فاسقا عنده ، فقد كان فرضا على عليّ أن يفسخ أحكامه في المسلمين ، فإذ لم يفعل فقد صح أنه كان مؤمنا عنده ، فكيف يجوز أن ينسب ذو حياء إلى علي أنه ترك مؤمنا مطروحا ميتا على مزبلة لا يأمر بمواراته؟ أم كيف يجوز أن يظن به أنه أنفذ أحكام كافر أو فاسق على أهل الإسلام؟ ما أحد أسوأ ثناء على علي من هؤلاء الكذبة الفجرة.
قال أبو محمد : ومن البرهان على صحة ما قلناه أنّ من الجهل الفاضح أن يظن ظان أن عليا رضي الله عنه بلغ من التناقض في أحكامه واتباع الهوى في دينه والجهل أن يترك سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر ، وأسامة بن زيد ، وزيد بن ثابت ، وحسان بن ثابت ، ورافع بن خديج ، ومحمد بن مسلمة ، وكعب بن مالك وسائر الصحابة الذين لم يبايعوه فلا يجبرهم عليها وهم معه في المدينة وغيرها ، نعم والخوارج وهم يصبحون في نواحي المسجد بأعلى أصواتهم بحضرته ، وهو على المنبر في مسجد الكوفة : لا حكم إلا لله ، لا حكم إلا لله ، فيقول لهم رضي الله عنه : لكم علينا ثلاث لا نمنعكم المساجد ، ولا نمنعكم حقكم من الفيء ، ولا نبدؤكم بقتال. ولم يبدأهم بحرب حتى قتلوا عبد الله به خباب ثم لم يقاتلهم بعد ذلك حتى دعاهم إلى أن يسلموا إليه قتلة عبد الله بن خباب فلما قالوا كلنا قتله ، قاتلهم حينئذ ، ثم يظن به مع هذا كله أنه يقاتل أهل الجمل لامتناعهم من بيعته ، هذا إفك ظاهر ، وجنون مختلق وكذب بحت بلا شك.