الكلام في عقد الإمامة بما ذا يصح
قال أبو محمد : ذهب قوم إلى أن الإمامة لا تصح إلّا بإجماع فضلاء الأمة في أقطار البلاد.
وذهب آخرون إلى أن الإمامة إنما تصح بعقد أهل حضرة الإمام والموضع الذي فيه قرار (١) الأئمة.
وذهب أبو علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي إلى أن الإمامة لا تصح بأقل من عقد خمسة رجال ، ولم يختلفوا في أن عقد الإمامة يصح بعهد من الإمام الميت إذا قصد فيه حسن الاختيار للأمة عند موته ولم يحاب بذلك بهوى ، وقد ذكرنا فساد قول الروافض وقول الكيسانية ، ومن ادّعى إمامة رجل بعينه ، وأنبأنا أن كل ذلك دعاوى لا يعجز عنها ذو لسان ، إذا لم يتق الله ولا استحيا من الناس ، إذ لا دليل على شيء منها.
قال أبو محمد : أمّا من قال إنّ الإمامة لا تصحّ إلا بعقد فضلاء الأمة في أقطار البلاد فباطل لأنه تكليف ما لا يطاق وما ليس في الوسع ، وما هو أعظم الحرج ، والله تعالى لا يكلف نفسا إلّا وسعها. وقال تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [سورة الحج : ٧٨].
قال أبو محمد : ولا حرج ولا تعجيز أكثر من تعرف إجماع فضلاء من في المولتان والمنصورة إلى بلاد مهرة إلى عدن إلى أقاصي بلاد المصامدة إلى طنجة إلى الأشبونة (٢) إلى جزائر البحر إلى سواحل الشام إلى أرمينية وجبل الفتح إلى أسمار ، وفرغانة وأسروشنة (٣) إلى أقاصي خراسان إلى الجورجان إلى كابل إلى
__________________
(١) القرار : الإقامة والاستقرار.
(٢) أشبونة : مدينة بالأندلس تتصل بشنترين قريبة من البحر المحيط (مراصد الاطلاع : ص ٨٠).
(٣) أسروشنة (بالفتح ثم السكون وضم الراء وسكون الواو وشين معجمة مفتوحة ونون وهاء) ويقال «أشروسنة» بالشين المعجمة : بلدة كبيرة بما وراء النهر من بلاد الهياطلة بين سيحون وسمرقند ، بينها وبين سمرقند ستة وعشرون فرسخا (مراصد الاطلاع : ص ٧٢ و ٨١).