إذا عرفت هذا ، فنقول : تلك الأجزاء من حيث هى هى ليست حارة ولا باردة ولا رطبة ولا يابسة ولا مجتمعة ولا مفترقة ، بل هى قابلة لهذه الصفات ولهذه الأحوال.
وتلك الأجزاء تسمى عند بعضهم الهيئات ، وليس فيها إلا مجرد القبول والطاعة والانقياد ، ولما كان الوجود بإعطاء الجود لا يصح إلا من الموجود ، وكان القبول والتأثر لا يحصل إلا عند حصول العدم ، لا جرم قيل فى الكتاب الإلهي : (اللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) (٤.
إذا عرفت هذا ، فنقول : إن الوجود أشرف من العدم ، ولهذا السبب كان أشرف الموجودات المؤثر الّذي لا يتأثر ، وهو الله سبحانه وتعالى ، وأخسها المتأثر الّذي لا يؤثر وهو الهيولى.
وأما القسم الثالث : وهو الّذي يؤثر ويتأثر معا فهو عالم الأرواح والنفوس ، وذلك لأنه لما ثبت أن واجب الوجود ليس إلا الواحد ثبت أنه كل ما سوى الواحد ممكن لذاته ، وكلما كان ممكنا لذاته ، فإنه لا يوجد إلا بإيجاد غيره ، وذلك الشيء فقد قبل الأثر من ذلك الغير. فثبت أن الأرواح قابلة للأثر من الغير ، وأما انها مؤثرة ، فمنهم من قال لا مؤثر إلا الواحد ، وذلك لأن الممكنات مشتركة فى معنى الإمكان ، ومعنى الإمكان محوج إلى المؤثر ، فأما ان يحوج إلى مؤثر معين فى نفسه أو إلى مؤثر غير معين فى نفسه ، والثانى محال ، لأن ما لا يكون معينا فى نفسه لم يكن موجودا فى نفسه ، وما لا يكون موجودا فى نفسه استحال ان يكون معطيا للوجود لغيره ، ولما بطل هذا (فلا بد من أن يثبت) الأول ، وهو أن