وثالثا : ان قولهم ان الشيء ما لم يجب لم يوجد لا يختص بالمعاليل التكوينية بل يعم الافعال الاختيارية والسر في العموم ان الممكن من قبل نفسه لا يصير واجبا ولا يصير موجودا فلا بد في وجوده من مؤثر فيه ، فاذا فرض تحقق ذلك المؤثر يجب وجوده وان فرض عدم تحققه يجب عدمه ، وقلنا ان الوجوب بهذا التقريب لا ينافي الاختيارية ، هذا تمام الكلام فيما يرجع الى الجبر.
وفي قبال هذا المسلك ، مسلك المعتزلة ، فانهم قالوا بأن الله تبارك وتعالى ، فوض الامر الى العباد وانهم مختارون في أفعالهم ولا مؤثر في أفعالهم غيرهم وهم يفعلون ما يشاءون ويعملون ما يريدون من دون استعانة بقدرة اخرى ، ولا يخفى انهم وان احتفظوا بعدالة الباري وان الكفار والعصاة مختارون في افعالهم واعمالهم لكن وقعوا في محذور آخر وهو الافراط في نفي السلطنة عن الله واثبات الشريك له تعالى في امر الخلق ولذا وردت نصوص في ذمهم وانهم مجوس هذه الامة فان المجوس قائلون بتعدد الإله وذهبوا أن المؤثر في العالم يزدان واهريمن ، وقالوا خالق النور يزدان فان يزدان خالق الخير والنور واهريمن خالق الشر والظلمة ، وبعبارة واضحة : انهم قائلون بأن كل واحد من آحاد البشر موجد لافعاله ولا يحتاج في خلقه الى غيره.
والدليل على هذه المقالة ان احتياج الممكن الى المؤثر حدوثه واما بعد حدوثه فلا يحتاج في بقائه الى العلة والمؤثر ، وعلى هذا الاساس الانسان اذا وجد في الخارج لا يكون بقائه محتاجا الى الغير فيكون تمام التأثير وتمام المؤثر في افعاله واعماله.
ويرد عليه : ان الممكن بعد وجوده وبعد حدوثه هل ينقلب الى الواجب أو يكون باقيا على ما هو عليه من الامكان أما على الاول فكيف ينقلب الممكن الى الواجب؟ فانه امر مستحيل. وبعبارة اخرى : يلزم أن يكون الواجب حادثا وهذا خلف.