ومنها : أنّه على تقدير التحريف يلزم خروج القرآن عن حدّ الإعجاز الذي هو أهمّ مقاصد نزول القرآن ، إلى غير ذلك مما هو مذكور في محلّه ، والمقصود الإشارة إليها في الجملة وأنّها ضعيفة في مقابل الأخبار الكثيرة التي ادّعى غير واحد تواترها الدالة على وقوع التحريف من النقص والتغيير والتبديل حتى أنّه ذكر في القوانين (١) أنّها لو جمعت لصار كتابا كبير الحجم ، فإذن الأقوى هو القول الثالث وحينئذ نقول :
إنّ وقوع التحريف بالمعنى المذكور مانع عن التمسك بالظواهر خلافا للمصنف ، لأنّ العلم الإجمالي بوقوع النقص والتغيير في القرآن موجب لسقوط جميع الظواهر ، لاحتمال أن يكون ما سقط منه مخصصا لعامّ أو مقيدا لمطلق أو قرينة لمجاز أو ناسخا لحكم ، ومع الوصف المذكور لا يبقى وثوق بكون الظواهر التي بأيدينا مرادا للشارع ، ولا يكون بناء العرف والعقلاء اعتمادهم على مثل تلك الظواهر ، ألا ترى أنّه لو كتب المولى إلى عبده كتابا يعمل به ثم بعثه إليه وعلم العبد بسقوط بعض الكتاب وتغيير بعض آخر لعوارض يتوقف عن العمل بالباقي بعد احتمال كون الساقط دخيلا في فهم المراد من الباقي وهذا واضح ، وليس يلزم أن يعلم إجمالا بوقوع التحريف في خصوص الظواهر أو خصوص الآيات المتعلّقة بالأحكام الفرعية حتى يوجب التوقف ، بل يكفي كونها من أطراف الشبهة واحتمالها.
وبالجملة : دليل حجية الظواهر بناء العقلاء وهو في مثل ما نحن فيه ممنوع ، بل ندعي العلم بأنّ بناءهم في نظير المقام التوقف وعدم الاعتماد على الظواهر الكذائية ، نعم لو تمسك المتمسك في حجية ظواهر الكتاب بغير بناء
__________________
(١) قوانين الأصول ١ : ٤٠٣.