وربما اشترط في التواتر أمور أخر كاشتراط بعضهم أن يكون المخبرون من أهل بلدان مختلفة ، واشتراط بعض اليهود ألا يكونوا من أهل دين واحد ، وربما يستظهر ذلك مما ذكروا في تعريف المتواتر من أنّه خبر جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب ، بدعوى أنّ أهل البلدة الواحدة أو أهل الدين الواحد لا يمتنع تواطؤهم على الكذب لبعض الدواعي العظيمة العامة ، لكن قد عرفت أنّ المراد بالتواطي في التعريف مجرّد التوافق ولو اتّفاقا ولو من جهة الخطأ والسهو ، مع أنّ التواطي المذكور بعيد في الغاية بالنسبة إلى الخلق الكثير مع اختلاف مذاقهم ومشاربهم ودواعيهم غالبا ، فلا يعبأ باحتمال ذلك ، كما لا يعبأ باحتمال خطأ الكل أو سهوهم أو كذب بعضهم وخطأ بعض وسهو بعض مثلا ، لكن قد يقوى هذا الاحتمال في خصوص بعض المقامات بالنسبة إلى بعض المطالب ، وحينئذ ينبغي التوقّف والتثبّت.
وكيف كان ، ليس هذان الشرطان في ذلك المكان من الضعف الذي أشار إليه صاحب الفصول فتأمل جيدا.
ثم إنّهم قسّموا المتواتر إلى لفظي ومعنوي ، أما الأول فيراد منه ما كانت الأخبار المتكاثرة متّحدة المدلول بالنسبة إلى المدلول المطابقي سواء كانت
__________________
مبطل معاند ويستحق ما يستحق من الذم والعقاب على ما مرّ في كلام صاحب الفصول ، ولذلك اصطلح أهل الاصطلاح بعد تميز موضوع التواتر وأنّه من مبادئ العلم الضروري أو النظري على اختلاف في ذكره في عداد سائر المبادئ وأخذوا في تسميته وبيان شرائط تحقيق موضوعه وأقسامه وإمكان تحقّقه وإمكان العلم به ورفع الشكوك والشبهات الموردة عليه ، ولعمري ينبغي هذا الاهتمام التام بل أزيد من ذلك لمثل هذا الدليل المتقن الواضح المبرهن الكثير الفائدة الشائع الوقوع في كل عصر وزمان في الأمور الدينية والدنيوية بلا واسطة ومع الواسطة.