وحينئذ يمكن أن يقال إنّ الاحتياط الذي أدّى نظر المجتهد الذي يرى انسداد باب العلم إليه حكم ظاهري لجميع المكلفين ، فإذا كان تعلّمه حرجا يكون الحكم بعده الرجوع إلى الظن.
وأما إذا قلنا بأنّ الأحكام الظاهرية حكم فعلي لخصوص من أدّى نظره إليها ومن قلّده فلا يتم الجواب ، لأنّ حكم المقلد الذي لم يقلد بعد هذا المجتهد الذي يرى انسداد باب العلم ليس الاحتياط حتى في نظر هذا المجتهد.
وتوضيحه : أنه لا ريب أنّ الأحكام الواقعية الأولية الثابتة في اللوح المحفوظ أحكام عامة شاملة لعامة المكلفين العالم منهم بها والجاهل ، وأما الأحكام الظاهرية سواء كانت مؤدّى الأمارات كما لو قام عليها خبر الواحد الذي جعلها الشارع حجة ، أو كانت مؤدى الأصول كالبناء على الحالة السابقة فيما إذا شك في بقاء ما ثبت ونحو ذلك ، فيمكن أن تكون أيضا أحكاما واقعية في المرتبة الثانية عامة شاملة لعامة المكلفين ، فمن أدى نظره إليها أصابها ومن أدّى نظره إلى خلافها يكون ما أدّى إليه نظره حكمه الظاهري في المرتبة الثالثة ، فهذا الشخص له أحكام ثلاثة طولية أحدها : نفس الواقع الأولي وافرض أنه الوجوب. ثانيها : مؤدّى الأمارة أو الأصل الذي لم يؤد إليه نظره وافرض أنه الحرمة. ثالثها : مؤدى الأصل الذي أدى إليه نظره وافرض أنه الإباحة ، والحكمان الأولان شأنيان والحكم الثالث فعلي.
ويمكن أن يكون مؤدى الأمارة والأصل حكما لخصوص من يراهما حجة ويتمسك بهما في حكم عمله ، وحينئذ فمن أدّى نظره إلى مؤداهما يكون ذلك حكمه ومن أدّى نظره إلى غيره يكون حكمه ذلك الغير فقط ، فلكل منهما حكمان أحدهما شأني وهو الحكم الواقعي الأولي وثانيهما فعلي وهو ما أدى